Share

الفصل 8

Author: سيد أحمد
نظرت سارة إلى الأسفل، وكان عنوان الضريح مكتوبًا بوضوح على الورقة البيضاء.

هل أُخته ماتت بالفعل؟ ولكن ما علاقة موت أخته بوالدي؟ كانت سارة تعرف والدها جيدًا، فمن المُستحيل أن يؤذي فتاة صغيرة أبدًا.

مع عِلمها أن الاثنين لن يكشفا عن أي شيء آخر، لم تستمر سارة في تصعيب الأمور على الاثنين، وذهبت بهدوء طيلة الطريق إلى منزل أحمد.

وبمجرد وصول سارة مرة أخرى إلى مكان مألوف، كان لديها مشاعر مختلطة.

استفسر محمود بأدب: ”هل تريدين أن تنزلي يا مدام؟“

”لا داعي لذلك، سأنتظره هنا.“

لم يكن اللقاء الأخير بينها وبين أحمد سوى الطلاق، ولم تكن تريد أن تتسبب في أي تعقيدات، ناهيك عن أن كل ورقة عشب وكل شجرة هنا تحمل ذكرياتهما، فلم تُرد أن تتأثر بالمشهد أكثر من ذلك.

إذا أرادت أن تُلقي باللوم على أحد، فيكن ذلك إذن الرجل الذي حملها ذات مرة في فمه خوفاً عليها من الذوبان، وأمسكها بيده خوفاً عليها من الطيران.

حتى وإن وجب عليها كراهيته، إنها لم تكن أبدًا قاسية.

لم تطفئ السيارة محركها لتوفر لها تياراً مستمراً من الهواء الدافئ، حيث كانت بمُفردها في السيارة، شعرت سارة بألمٍ في معدتها مرةً أخرى، تكورت على نفسها كشكل الجمبري صغير واحتضنت ركبتيها بإحكام، جلست القرفصاء على المقعد في انتظار الفجر.

كانت أيام الشتاء تظلم مبكرًا وتضيء في وقتٍ متأخر، حيث حانت الساعة السابعة تمامًا ولم تُشرق الشمس بعد، فكانت السماء ضبابية.

كانت أوراق أشجار الجنكة في الفناء قد تساقطت منذ فترة طويلة، ولم يكن بوسعها إلا أن تعود بأفكارها إلى الأيام الخوالي.

موسم نضج الثمار الذهبية، حينها أرادت أن تأكل حساء دجاج بذور الجنكة مع اللوتس الذهبيّ، فتسلق أحمد شجرة الجنكة بالفناء والتى يصل إرتفاعها إلى أكثر من عشرة أمتار لكي يهز الثمار لأجلها.

كانت الأوراق الخضراء تتساقط مثل المطر الذهبي بالنسبة لها.

في ذلك الوقت، كان أحمد ودودًا و يطبخ لها جيدًا، ويدللها حتى الموت.

بالتفكير في الأمر، لا تعرف متى كانت تمشي إلى الشجرة وحدها، كانت شجرة الجنكة لا تزال هناك و لكن لم تعد الأمور كما كانت.

لقد تساقطت أوراق الشجرة منذ فترةٍ طويلة، ولم يتبق سوى عدد قليل من الأوراق الذابلة في الأغصان تهتز، كعلاقتها الحالية غير المستقرة مع أحمد.

عندما خرج أحمد من الفيلّا، رأى هذا المشهد.

وقفت الفتاة الصغيرة التي كانت ترتدي سترة رقيقة تحت الشجرة ورأسها مرفوع والرياح الباردة تهب على شعرها.

كان اليوم تغييرًا للطقس السيئ في الأيام القليلة الماضية، حيث كان شُعاع الشمس الأول في الصباح الباكر يتناثر على وجهها، كانت بشرتها بيضاء وشفافة تقريبًا، مثل الملاك توشك على الاختفاء.

كانت كفاها لا تزالان ملفوفتين بالشاش، والغريب أنها مازالت تزال ترتدي ملابس الليلة الماضية، فكان وجهها شاحباً.

”يا أحمد“ لم تسدر رغم أنها كانت تعرف أنها قادمة.

”نعم.“

استدارت سارة ببطء، ووقعت نظراتها على ذاك الرجل الطويل، فمن الواضح أنهما كانا قريبين جدًا من بعضهما البعض حيث أنهما كانا على مسافة ذراع.

”أريد أن أشرب حساء الجنكة وبذور اللوتس بالدجاج الذي تُعددته مرةً أخرى.“

حدق أحمد بعينه الداكنين مُندهشًا للحظة، وفي الثانية التالية قال ببرود: "لقد انقضي موسم الجنكة، يا سارة لا تضيعي الوقت."

كانت عينا سارة حمراء قليلاً، وتمتمت قائلة: ” اعتبرها آخر مرة تلبي فيها طلبي قبل الطلاق، أليس هذا مُمكنًا؟

بعد عدم رؤيتها لمدة ثلاثة أشهر، بدا أنها تغيرت كثيرًا.

أشاح بوجهه ونظر إلى الشجرة العارية، وكانت نبرة صوته أقل برودة: ”لم يُعد محصول العام الماضي طازجًا، إذا كنت تريدين أن تأكلي عليكِ بانتظار محصول العام القادم”.

العام القادم ......

لامست أصابع سارة لحاء الشجرة الخشن، وكانت خائفة من أنها لا تستطيع الانتظار.

”أحمد، هل تكرهني؟“

”نعم.“

أدارت رأسها لتنظر إليه وقالت بهدوء:” إذن ...... هل ستكون سعيدًا إذا مت؟“

ماذا؟...

كانت كلمات سارة مثل الرعد فضرب قلبه، ولم يشعر أحمد إلا أن رأسه امتلأ بالهدير، مما جعله يفقد عقله لفترةٍ وجيزة.

بعد لحظة فقط استعاد أفكاره وفتح فمه بهدوء قائلًا : ”إنه ليس إلا مجرد حساء، تفضلِ بالدخول“.

نظرت سارة إلى ظهره وهو يغادر، وارتفعت زوايا فمها قليلاً.

أحمد، هل لا زلت خائف من موتي؟

ثارت في ذهنها فكرة الانتقام، وفجأة فكرت في ردة فعله إذا علم بموتها يومًا ما.

سيُصبح سعيدًا أم حزينًا؟

كان هناك مكسرات الجنكة في الثلاجة التي كانت مخزنة بوقتٍ سابق، وأخرج المكونات حتى تذوب بعناية

عندما شاهدته سارة مشغولاً ذهابًا وإيابًا، كان قلب سارة يشعر بمرارة لا نهاية، فربما هذه هي المرة الأخيرة التي يطبخ لها.

هذا جيد.

من الجيد الاحتفاظ بِمثل هذه الذكري.

كانت سارة تحمص البطاطا الحلوة أمام المدفأة، وكانت رائحة البطاطا الحلوة تفيض وتنتشر.

في الشتاء الماضي، في كل مرة كانت تجلس القرفصاء هنا لتُحمص البطاطا الحلوة، حينما تشُم جدة أحمد رائحتها تهرع إلى هنا، حيث كانت طيبة جدًا معها وتعاملها وكأنها حفيدتها.

لسوء الحظ، توفيت هي أيضًا قبل عامين، ولم يرغب جد أحمد في الحزن ليلًا ونهارًا فانتقل إلى الخارج.

كان القصر المريح باردًا وهادئًا، والبطاطا الحلوة لا تزال حلوة ورائحتها عطرة، فبدون مُصاحبة الجدة لها، لم تشعر أيضًا بأي طاقة.

بعد تناول البطاطا الحلوة المخبوزة وشرب كوبًا من الماء الدافئ، خفف ذلك الألم في معدتها بعض الشيء.

عندما انبعثت الرائحة من المطبخ، نهضت سارة وذهبت إلى هناك، لتجد أن أحمد قد وضعت الحساء في عُلبة معزولة ثم غرفها في وعاء.

لقد مرّ وقت لم تعد فيه هي الوحيدة التي كان يعتبرها المفضلة في قلبه، وقد أعماها طيبة الماضي عن الاعتراف بالحقيقة.

”الحساء جاهز. ” لم يلاحظ أحمد إحباطها.

”شكرًا.“

نظرت إلى الأسفل إلى وعاء الحساء ذو الرائحة الزكية كالعادة، كان رائحة لذيذة، ولكن لم يكن لديها ولو نصف شهيتها.

”لقد تأخر الوقت، لنذهب إلى مكتب السجل المدني.“

كان من الواضح أن حاجبي أحمد الوسيمين كانا غاضبين بعض الشيء، ” ألا تريدين أن تشربي؟

”لا أريد أن أشرب.“

فيما مضي كانت شديدة العناد، وكان يُقنعها بصبر في كل مرة.

أما الآن فقد نظر إليها بعمق، والحاسء الذي بين يديه سكب منه أكبر قدر ممكن في الحوض ومر بجانبها دون أن يعبّر عن نفسه، ”لنذهب“.

ناول أحمد علبة الطعام المعزولة إلى محمود، ”أرسلها إلى لؤلؤة البحر“.

”عُلم يا سيد أحمد.“

أدركت سارة في هذه اللحظة أن علاقتهما كانت غير قابلة للإصلاح منذ فترةٍ طويلة.

كان إصرار هذا العام مزحة.

سارت بخفة نحو السيارة ومرت بجانب شجرة الجنكة، فهبت رياح باردة جعلت آخر الأوراق المُستندة على الشجرة والتى ترفُض الرحيل تتساقط.

مدت سارة يدها لتلتقط الأوراق التي كانت ذابلة منذ فترة طويلة، وقالت بهدوء: ” ماذا يوجد بعد لتتمسكِ به؟

أسقطتها بشكل عرضي وداست عليها وسُحقت الأوراق الهشة.

أغلق الباب، حتى وإن كانت السيارة مزودة بمدفأة، فكان كل واحدًا منهما جالسًا على جانب واحد كما لو كانت نهاية العالم والهواء البارد ينبعث منهما باستمرار.

الطريق إلى مكتب السجل المدني سلس جداً، طوال الطريق لا يوجد ازدحام مروري، كل الطرقات خضراء الإشارة، وكأن الله يُسهل الطريق لطلاقِهما..

عند التقاطع التالي انعطفت السيارة إلى الوجهة، رن هاتف أحمد حيث سمع صوت صفاء القلق قائلةً:” يا أحمد، إن فارس يعاني من حمى شديدة لا تنخفض، فلم اُرِد أن أزعجك ولكن الآن فقط وصلت درجة الحرارة إلى تسع وثلاثين، أنا خائفة جدًا، تعال بسرعة .......“

”سآتي على الفور.“

أغلق أحمد المُكالمة، ثم قابل عيني سارة الحمراء المليئة بالغضب، فقالت جُملةً واحدة: ”ما اسم هذا الطفل؟"

Related chapters

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 9

    كانت السيارة هادئة جدًا، وكان صوت صفاء مرتفعًا جدًا لأنها كانت في عجلة من أمرها، فسمعت سارة بوضوح كلمة ”فارس“.تذكرت اليوم الذي حصلت فيه على تقرير اختبار الحمل، واندفعت إلى ذراعي أحمد بأمل: ”يا أحمد ، ستصبح أبًا! سنُرزق بطفل! لقد فكرت في اسم الطفل، إذا كانت أنثى فسوف يُطلق عليها اسم جميلة أما الصبي فسوف يُطلق عليه اسم فارس، ما رأيك ؟"كم تمنت لو أنها سمعت خطأً لكن أحمد لم يتجنب نظراتها وأجاب ببساطة: ”اسمه فارس"."أيُها الوغد!"رفعت سارة يدها لتصفعه وهذه المرة لم يتفادى الأمر وتركها تصفعه مباشرة." كيف تجرؤ على أن تسمي طفلها بإسم طفلنا؟ "كان الطفل هو خط الدفاع الأخير لسارة حيث انهرمت دموعها مثل الخرز وانقضت عليه كالمجنونة قائلةً : ”أيها الشيطان، لماذا قَبَض الله حياة الطفل، لماذا تمت أنت؟فقدت سارة عقلها وانهالت على جسد أحمد بالضرب مِرارًا وتكِرارًا، ”إنه لا يستحق هذا الاسم!“أمسك أحمد بيديها وأمر خالد : "اذهب إلى مسكن لؤلؤة البحر".أصبحت سارة أكثر انفعالاً، "لقد اقتربنا من مكتب السجل المدني، إذا كنت تُريد المغادرة، عليك أن تُنهي أجراءات الطلاق أولًا.“" إن فارس يعاني من حمى

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 10

    ظلت سارة تتجول لنصف يوم في الضريح قبل أن تغادر، لم يكن لديها وقت للحزن والأسى، فاستمرت في التحري عن الصور التي حصلت عليها.فمعظم اتصالات أبي بالنساء كانت مع العاملات بالشركة، وبينما أوشكت البدء مع موظفي الشركة، تلقت مكالمة هاتفية.كانت المكالمة من صامد، ألا وهو الطفل من المنطقة الجبلية التي كان أبي يرعاها، فكان صوته قلقًا بعض الشيء:”يا آنسة سارة، لقد عدت للتو إلى الصين حينها سمعت خبر إصابة السيد رشيد بمرضٍ خطير، هل هو بخير؟”أشكرك على اهتمامك، لا يزال والدي في المستشفى يتلقى العلاج“.”حقًا، لماذا يختبر الله شخصًا صالحًا مثل السيد رشيد هكذا؟ في ذلك الوقت، لولا كفالته وإخراجه لنا من الجبل، لما كان بإمكاننا أن نحظى بالحياة التي نعيشها اليوم؟ومضت فكرة في ذهن سارة، لقد بدأ رشيد في رعاية الأطفال من المناطق الجبلية الفقيرة للذهاب إلى المدرسة منذ سنوات عديدة، إذا كانت زهرة قد اختُطفت وبيعت في أعماق الجبال، أيُعقل أن يكون هذا هو السبب في لقائها بوالدها؟”أخي صامد، هل تعرف الطلاب الذين يرعاهم والدي؟“"لقد كنتُ أتصل بهم من أجل السيد رشيد، معظمهم يعرفون بعضهم البعض، إلا حينما غادرت البلاد

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 11

    من أجل منع استمرار تدهور حالتها، حددت باسل المرحلة الأولى من العلاج الكيميائي بعد غدٍ.هناك العديد من الآثار الجانبية للعلاج الكيميائي، فأول أسبوعين بعد العلاج الكيميائي ستكون ضعيفة للغاية بالإضافة إلى تساقط الشعر، يجب على سارة تسوية الأمر مسبقًا.ليس لدى رشيد أي علامة على الاستيقاظ في الوقت الحالي، فالأمر الجيد هو أنه لا داعي للقلق بشأن النفقات الطبية، فقد جددت إيداع مبلغًا من المال وعادت إلى المنزل.هذا المنزل في الأصل كان عُش الزوجية لها ولأحمد، كانت تخشى أن بعد العلاج الكيميائي لن يُصبح جسدها قادرًا على التحمُل لذا فكرت أنها ستضطر قريبًا إلى الانتقال من هنا، حيث اتصلت مسبقًا بشركة النقل.كانت صديقتها المقربة ليلي ترتدي فستانًا رسميًا مع حقيبة، وتنتعل حذاءً بكعب عالٍ، وتحمل بيدها حبتين من البطاطا الحلوة المخبوزة.يمكن سماع صوتها العالي من مسافة بعيدة،”يا أختي، لقد تخلصتِ أخيرًا من بؤسك! لقد حصلت أُختكِ للتو على عمولة بيع ممتلكات الشهر الماضي واليوم سأدعوكِ لقضاء وقت ممتع في نادي الحصان الأسود ليلاً، ليس من السهل العثور على ضفدع بثلاثة أرجل، ولكن الرجال ذوي الساقين في كل مكان“.

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل12

    جاءت المرأتان اللتان فقدتا للتو حبهما معًا، ووجدت ليلي مُصففي شعر وسيمين، وأضاءت عينا مُصفف الشعر إياد عند رؤية لسارة، وأعطاها على الفور توصية بتسريحة الشعر الرائجة الحالية.رفضت سارة مباشرةً،” قَصرّ لي شعري، فكلما كان أقصر كان أفضل.“”يا آنستي، على الرغم من الرائج الآن أن تبدين رائعة، إلا أنني شخصيًا أشعر أن الشعر القصير جدًا سيكون له حدود أيضًا، وإلا فلنتركه بطول الكتف، ليس فقط لأنه يقلل من العمر، ولكنه مناسب أيضًا في جميع أنواع المناسبات.“”لا حاجة لذلك.“”إن شعركِ يا آنستي داكن وطويل، ومن النظرة الأولى يبدو أنه ظل طويلاً لسنوات عديدة، فمن المؤسف أن نقصه كله“. هز إياد مُصفف الشعر رأسه بأسف.نظرت سارة إلى نفسها في المرآة، حتى لو كان وجهها متعبًا في هذه الفترة من قلة الراحة، ولكن مازلت ملامحها مذهلة، كان شعرها الأسود الذي لم يتم الاعتناء به لفترةٍ طويلة مبعثرًا بشكلٍ عشوائي، مما جعلها تبدو ساحرة بعض الشيء.حيث كان أحمد مُعجبًا بشعرها الطويل، فلم تقصه منذ بضع سنوات، وعندما رأت أن مُصفف الشعر لم يرغب في وضع يده عليه، التقطت سارة المقص بجانبها وابتسمت ابتسامة خافتة وقالت: ”إذن سأف

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 13

    نظر أحمد إلى محمود بعيونٍ باردة، فأوضح محمود على عجل: "يا سيدي، إن مدام سارة مع ليلي الآن."ليلي هي أفضل صديقة لـسارة، ومن الطبيعي أن يكونا معًا. من أجل معرفة كل تحركات سارة، طلب أحمد من محمود إضافة حساب فيسبوك الخاص بها.أخرج محمود هاتفه أثناء الشرح، وفتح أولاً منشورات الفيسبوك الخاصة بليلي. كان شعر ليلي الرومانسي المجعد ذو أزهار الكرز مُلفتًا للنظر للغاية، وما زال أحمد يرى سارة بجانبها في لمحة.إنه فرق كبير عن أسلوبها المعتاد. حيث أصبح شعرها الذي يصل إلى الخصر يصل إلى أُذنها فقط. إلى جانب ذلك الوجه الصغير الرقيق، أصبح مزاجها الذي كان مشرقًا مثل الشمس الصغيرة عندما تبتسم كئيبًا أيضًا .خفضت عينيها وارتدت قميصًا فضفاضًا محايدًا، يكشف عن عظام الترقوة الصغيرة والحساسة، وكان جسدها كله ينضح بنوعٍ من الجمال الزاهد.الكلمة المطابقة لها أنها وُلدت من جديدة.لم يدرك أحمد أن يده التي كانت تمسك بالهاتف كانت ترتعش قليلاً، لقد كان يضايقها لمدة عامًا كامل، والآن اختارت أن تتركه أكانت تختنق ألمًا هكذا؟لا، حيث كانت أُخته راقدة تحت الأرض، لماذا هي تُولد من جديد؟ليس الأمر وكأنني أشعر بالسوء،

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 14

    لا يمكن القول بإن ليلي غير قادرة على شُرب الخمر، ولكن يُمكن فقط القول بأنها لا تستطيع السيطرة على نفسها.فإذا لم توقفها سارة، لكانت قد دخلت في علاقة حميمة مع شخصٍ ما في الغرفة الخاصة. على أي حال، لم ترها سارة أبدًا وهي تعانق رجلاً وتقول أنها عازبةنظرًا لأنها كانت في حالة سكر شديد، لم يكن أمام سارة خيار سوى إعادتها إلى شقته المُستأجرة حديثًا.منذ بعض الوقت، اكتشفت العمة الممرضة أنها كانت تبحث عن شقة، لذلك قدمت لها شقة قريبها واعتقدت سارة أنها تستطيع توفير رسوم الوكالة، ولأن الممرضة أعطتها ضمانًا وافقت.لن يعود الطرف الآخر إلى الإمارات لبعض الوقت، ولم يوقع الاثنان عقدًا بعد، فتحدث سارة معه على فيسبوك، ولم تبدأ في التنظيف والانتقال إلى هنا إلا بعد موافقته.فبدون أي عقود رسمية لن يتمكن أحمد من العثور عليها لفترة من الوقت.فعلى الرغم من أن الشقة الصغيرة لم تكن جيدة مثل غرفة عائلتها قبل الإفلاس، ولا جيدة مثل عُش زوجيتها، إلا أنها بدت مريحة للغاية، فإنها تُحب المكان هنا خاصةً الأسماك الاستوائية التي تم تربيتها خصيصًا والتي كان والدها يحبها.تمكنت من رؤية البحر بمجرد أن فتحت النافذة، ا

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 15

    نظرت سارة بامتنان إلى باسل، الذي أومأ برأسه ليشير إليها، ثم استدار ليقوم بإجراءات التسجيل لها.شرحت الممرضة بصبر: "يا آنسة سارة، في الفترة القادمة ستحتاجين إلى تلقي العلاج لفترةٍ طويلة. والأدوية الكيميائية هي أدوية يتم حقنها وريديًا، وفي كل مرة يتم فيها نقل السوائل، يجب وضع إبرة في الأوعية الدموية، مما يتسبب في تعرض الأوعية للضرر نتيجةً للأدوية الكيميائية، وفي الحالات الخطيرة قد يحدث تسرب للدواء، لأن العديد من الأدوية الكيميائية تكون لها خصائص مدمرة. و من أجل تفادي هذه المشاكل، نوصي بأن تُركبي قسطرة في ذراعك.""لضمان وصول الدواء بسلاسة إلى الأوردة وجميع الأعضاء، سيتم تركيب قسطرة في الوريد مسبقًا. ميزة هذا الإجراء هي أنه يستمر لفترةِ أطول، ولن تحتاجي في المرات القادمة للبحث عن عرق جديد أو القلق من سقوط الإبرة، مما يجعل العلاج أسهل وأمن، ولكن عيبه هو أنه لا يمكنك حمل الأوزان الثقيلة بيدكِ هذه مستقبلاً."وافقت سارة على نصيحة الممرضة، وأجرت عملية صغيرة قبل العلاج الكيميائي لتركيب منفذ للسوائل في ذراعها.كانت جسدها مقاومًا للمخدرات، مما جعلها ترفض التخدير، وعندما قطع الجراح اللحم الرق

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل16

    خصصت سارة وقتًا لوضع مكياجها لتُظهر إشراقة وجههالفّت سارة نفسها مثل حبة الأرز.ضعف جسمها كثيرًا بعد تلقيها للعلاج الكيماوي، وأصبح هشًّا وكأنه دمية قطنية، وأصبحت مناعتها أضعف بكثير مما كانت عليه.لذا كان عليها إجراء فحص دوري كل يومين، لمتابعة نسبة خلايا الدم الحمراء والبيضاء في جسمها، وإذا قلّت تلك القيمة عن نسبة معينة، فلابد من التدخل الدوائي.حيث أنه إذا قلت نسبت المناعة عن نسبة معينة، فإن الحمي قد تعرض حياتها للخطر، لذا لم تتهاون سارة بالأمر واختارت درجة الحرارة بدلًا من الأناقة. لمست سارة شعرها من الخلف والذي أصبح هشًّا جدًا مقارنة ببقية شعرها، وارتدت بحذر شديد قبعة صوفية سوداء.قابلها باسل أثناء خروجها من الباب مباشرة، ثم قال لها ” سارة، جسمك غير مناسب للخروج الآن، لقد أجريت لك فحصًا للدم بالأمس، وكانت النتيجة أن هناك تدهور بشكل حاد، وبصفتي طبيبك المعالج، فأنا مسؤول عن سلامتك “نظرت سارة إليه بعيون تملؤها الدموع، وقالت له " باسل، لا أحد يريد أن يظهر بمظهر سيئ عند مقابلة شريك حياته السابق، أنا فقط أريد أن أخرج من حياته بشكل لطيف، قبل أن تزداد حالتي سوءًا. “وعندما فكر باسل

Latest chapter

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل30

    فكان لا بد من مواجهة الحقيقة.وهي أن أحمد قرر التخلي عنها نهائيًا.لكنها أيضًا اتخذت قرارها الخاص، بابتسمت بلطفٍ لمحمود قائلة: "أنا آسفة، أخبر أحمد أنني رجعت في كلامي"لم يستطع محمود فهم هذان الإثنان، ففي البداية، كان أحمد من يصر على الطلاق، وبعد ذلك أصبحت سارة هي من تطلب الطلاق، والآن بعد أن وافق أحمد على ذلك، رجعت سارة في كلامها.هل يعتقدون الأمر مزحة؟هل السجل المدني تحت إمرتهم؟لو كان خالد هنا لبدأ بالتذمر منذ وقتٍ طويل، لكن محمود أبقى على هدوئه، وأكمل بجديّةٍ قائلًا: "أنا أعتذر يا سيدتي، لكن ليس لدي الحق بقول ذلك، فلستُ أنا صاحب القرار، أرجو منك فقط أن ترافقيني""لن أصعب عليك الأمر، فلنذهب إذًا" كانت سارة تتوقع تلك النتيجة بالفعل، فأخذت وشاحها وغطت جسدها جيدًا، ثم خرجت برفقته.في كل محاولة للطلاق بينهما، كانت تحدث أمور غير متوقعة، لكن الأمر كان سلسًا بشكلٍ غريب اليوم، حتى أن العاصفة التي بدأت منذ أيامٍ قد توقفت بالفعل، وسطعت الشمس المشرقة في السماء.على الرغم من أن الشمس أشرقت بعد تساقط الثلوج، إلا أن الحرارة ظلت منخفظة كما هي، لكن أشعة الشمس الدافئة بدأت بإذابة الثلوج ع

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل29

    انهمرت دمعتانن صافيتان على وجنتي سارة، وأدركت أنه لم يعد بإمكانها هي وأحمد العودة لما كانا عليه من قبل.لقد خانها ودمر عائلتها، في حين أن عائلتها مدينةٌ له بحياة أخته.تلك الحسابات لا يمكن تسويتها مهما حدث، فهما كخيطان منعقدان، كلما تشابكا أكثر، انخنقا حتى الموت.أمسك أحمد وجهها بين كفيه، ومسح دموعها بإبهامه قائلًا: "حبيبتي سارة، لا تحبيني، بل اكرهيني. لقد خنتكِ، وقتلت طفلنا، ولا ينفع الندم الآن"شعرت بزعزعة مشاعره، وحنانه نادر الظهور، فكانت تلك اللحظة أشبه بالوادي الأخضر الذي أنبت حديثًا وسط جبالٍ من الثلوج.لكن سرعان ما جرفت عاصفة ثلجية جديدة تلك الخضرة بالكامل.استدار أحمد موجهًا ظهره لسارة، وغادر الغرفة المليئة بالفوضى.كانت سارة تعلم أن ذلك وداعهما الأخير.انقطعت كل سبل العودة بينهما نهائيًا.عندما خرجت سارة، لم تجد أي أثرٍ لهالة، وكانت هالة بطيب نيتها تظن أن الأمر مجرد خلافات بسيطة، لذا كانت تبذل جهدها للصلح بينهما.كانت سارة في نظرها هي زوجة أحمد الوحيدة، ولم تدرك أنها كانت مخطئة.ابتسمت سارة بسخرية، فلم تكن تشعر بالوحدة بوجود هالة معها في هذا المنزل الضخم، لكن الآن ب

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل28

    كانت أسماء تعني لأحمد ما تعنيه سارة لرشيد."لا يمكن إنكار أن رشيد قد يكون أبًا جيدًا، لكنه بالتأكيد لم يكن شخصًا جيدًا، فقد أخفى قلب شيطان خلف مظهره الزائف. يا حبيبتي، الآن وقد وصلت الأمور لهذا الحد، فسأخبركِ بكل شيء"ركع أحمد على ركبتيه ممسكًا بوجه سارة، ولمعت عيناه بابتسامةٍ غريبة."أنت حياتي كلها، أحبكِ لدرجة أنني لا أستطيع تحرير نفسي من قيود غرامك، لكن في الوقت نفسه أنت إبنة رشيد الوحيدة! لذا أكرهكِ بقدر ما أحبكِ"شعرت سارة بالبرودة تجتاح جسدها على الرغم من أنه كان مبتسمًا."ذلك اليوم حين سقطت أنا وصفاء بالماء، هل تعمّدت إنقاذها أولًا؟ هل أردت أن يدفع طفلنا ثمن حياة طفل أختك؟""نعم، العين بالعين"تشبثت سارة بقميصه والدموع تنهمر من عينيها، وصرخت: "هل جُننت؟ إنه طفلنا! لم يأتِ إلى الحياة بعد، فما ذنبه؟ إنه طفل بريء!"ابتسم أحمد بخبثٍ مميلًا رأسه، وقال: "وماذا عن أختي؟ ألم يكن طفلها أيضًا بريء؟"نظرت سارة لأحمد الذي بدا كشخصٍ آخر تمامًا، وأدركت أن هذا الصراع لا يمكن حله مهما حدث."أحمد، أنا أفهم كم هو مؤلمٌ فقدانك لأختك..."تغيرت تعبيرات وجه أحمد فجأة، وصرخ بصوتٍ حاد: "أنت

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل27

    كانت سارة تعتقد أن والدها أبٌ محبٌ في المنزل، ورجلٌ طيبٌ في الخارج، فقد كان يتبرع للأعمال الخيرية بشكلٍ منتظمٍ بجانب مساعدته وتكفله بالطلاب.ففي جميع الأخبار، كان والدها يُصوّر كإنسانٍ كريمٍ ومتواضع، بل كرجلٍ مثالي.وكانت تعبيرات وجه سارة تزداد دهشةً مع كل ورقةٍ تطالعها وهي جاثية على ركبتيها لجمع الأوراق المبعثرة على الأرض.من الواضح أن أحمد قد أتم عمله على أكمل وجه، فقد عثر على أدلةٍ واضحة حتى عن النسوة اللاتي خرجن مع رشيد لبضعة أيامٍ فقط.كان رشيد على علاقة بالكثير من النساء على مدار أكثر من عشرة سنوات، وكلهن كن فتيات صغيرات ذوات ملامح جميلة وبريئة.لم يكن هذا صعب التفسير، فهو وسيم، محافظ على وزنه حتى بعد أن بلغ منتصف العمر، يمارس الرياضة بانتظام فكان ممشوق القوام وأنيق، فكان الرجل الثري الوسيم هو أكثر ما يجذب الفتيات اليافعات.لكن يبدو أنه كان يفضل الفتيات القادمات من المناطق الجبلية، واللواتي يعانين من ظروفٍ معيشيةٍ صعبة.ربما لأنهن لم يتعرضن لما قد يُفسد براءتهن من تلوث.أكد أحمد ذلك، فقال: "أكنت تظنين أنه يساعد الأطفال في المناطق الجبلية بدافع الخير؟ لقد اعتبرهم ببساطة فر

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل26

    عُقد لسان سارة، وأثر هذا الأمر بها تأثيرًا عميقًا، فقد كان أحمد يدللها في السابق، والآن أصبح شديد القسوة تجاهها، وهذا لا يعني أنه قد تغير، وإنما هي التي لم ترَ هذا الجانب منه إلا الآن.قد يكون الأمر سيان مع رشيد.قالت سارة هامسةً: "مهما حدث فأنا متأكدة أنه لن... يقتل"داعب أحمد وجنة سارة بأصابعه برفق، وقال: "حبيبتي سارة، يا لك من ساذجة، ألم تكوني متأكدة أيضًا أنني لن أترككِ أبدًا؟"كان نبرته به مزيج من الحنان والغموض، وكأنه ما زال حبيبها اللطيف من الماضي، لكن عيناه كانتا خاليتان من أي مشاعر.أصابت كلماته سارة في الصميم، فلم تعتقد أبدًا أنه قد يتخلى عنها، حتى رأته في الأخبار وهو يضع يده على صفاء في المطار، فكان الأمر كصفعةٍ انهالت على وجهها.أكمل أحمد حديثه قائلًا: "ألم ترغبي دائمًا بمعرفة الحقيقة؟ سأخبرك اليوم؛ لم يرد رشيد هذا الطفل، حيث لم يرد أن يكوّن عائلة مع زهرة، وكانت الثلاثة أشهر الأولى هي أفضل فترة للإجهاض، فحدثت بينهما مشاجرة ذلك اليوم، فقتل زهرة وألقى بها في البحر"أحكم أحمد قبضته على ذقن سارة، وكان يرمقها بجفاءٍ قائلًا: "لم يكن لي أختٌ سواها، أحببتها بشدة منذ الصغر، و

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل25

    كانت سارة مستغرقة في التفكير، ففاجئها صوت أحمد، وجعلها تسقط على الأرض، وتناثرت الأوراق من حولها.يعود أحمد متأخرًا في العادة، فلما عاد مبكرًا اليوم؟وعلى الرغم من كونهما ما زالا متزوجين، إلا أن ما فعلته سارة كان أمرًا مشينًا، خاصةً وهي تعرف أن أحمد يكره حياكة الأمور من وراء ظهره.ابتلعت سارة ريقها، وقالت بوجهٍ شاحب: "لقد... لقد عدت"لم تكن تعرف من أي مناسبةٍ جاء أحمد، فقد كان يرتدي بدلةً رسميةً سوداء بقميصٍ أبيض، وكانت البدلة تظهر قوامه الممشوق، وسرت القشعريرة في جسدها ما إن نظر لها أحمد بعينيه الباردتاين.تقدم منها ببطء، بينما كانت أصابعه تخلع سترة البدلة بهدوء. ولد أحمد بملعقةٍ من الذهب في فمه، فكانت كل إيماءةً منه مفعمةً بالفخامة.وعلى الرغم من أن كل ما قام به هو خلع ملابسه، إلا أن الرعب قد دبَّ أوصال سارة التي أرادت الهرب، لكنها شعرت وكأن قدماها مشلولتان.قبل علاقتها بأحمد، كان يعرف عنه أنه وحش عديم الرحمة.الآن فقط أدركت مدى رعب أحمد من منظور الآخرين، فهالته المخيفة تلك تغطي على كل ما حوله. استندت سارة على يديها وهي جالسة على الأرض، وتراجعت خطوةً للوراء مع كل خطوةٍ يقتربها

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل24

    لم تعد سارة تفهم هذا الرجل على الإطلاق، فتقلب مزاجه أسرع من تقلب أمواج البحر.هو من طلب الطلاق منها في السابق، والآن بمجرد ذكرها للطلاق امتعض وجهه، أيمكن أن تكون وفاة أخته قد تسببت له باضطراباتٍ أو أزماتٍ نفسية؟حين أنهى أحمد غسيل وجهه وخرج، كانت سارة لا تزال مستلقية على السرير منصرفةً عنه.ولم يبقَ بينهما وداعٌ دافئ كما كان الأمر في السابق، بل كل ما تبقى هو الصوت الموحش للباب وهو ينغلق.كانت سارة تدرك ضعف جسدها في الأيام الأخيرة، لذلك لم تبدِ أي مقاومة.الشيء الوحيد الذي بقي على حاله طوال تلك الزيجة هو هالة التي كانت تضع مئزرها يوميًا، وتعد لسارة الطعام بشغف."سيدتي، لقد أعددت لكِ حساء الخضراوات اليوم ليقوي بدنكِ، عليكِ أن تشربي منه الكثير"ابتسمت سارة برقةٍ وقالت: "يا هالة، أيمكنكِ إعداد حساء المأكولات البحرية من أجلي؟""بالطبع!"نظرت هالة إلى الجو بالخارج، وقالت: "لقد غطت الثلوج الحديقة بالكامل، ألا ترغبين بالخروج للعب بالثلج؟ أذكر أنك لطالما أحببت اللعب بالثلج مع زوجكِ في السابق، أليست العلاقة بين الرجل والمرأة مجرد لعبٍ ولهو؟""لن أخرج، سأغفو قليلًا"أغلقت هالة الباب خل

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل23

    انفتح باب الحمام بعنف، مما أفزغ سارة التي كانت قد انتهت للتو من تمشيط شعرها، ونظرت إلى أحمد بارتباكٍ قائلةً: "أيها ال..."لم تتم حديثها، فقد خرج أمامها أحمد عاري الصدر، مفتول العضلات دون سابق إنذار.وعلى الرغم من أنهما حملت طفله بداخلها، إلا أن هيئته العارية تلك التي لم ترها منذ قرابة العام جعلتها ترتبك، فأشاحت بنظرها عنه على الفور.خيم ظلّ أحمد على وجهها، وأخذت أنفاسه المميزة المحملة بالدفء ترتطم بوجهها، فضمّت سارة جسدها لا شعوريًا، ونظرت له بتوجسٍ قائلةً: "ماذا تريد؟"انحنى أحمد ببطءٍ واستقرت نظرات عيناه السوداوان الثاقبتان على وجهها الشاحب، وسألها: "قلت في السابق أنكِ مريضة، فما الذي تعانين منه؟"تلاقت نظرات سارة مع عينيه المليئتان بالحيرة، وغمرتها مشاعر مختلطة.لم تكن بتلك العيون سخريةً أو ازدراء أو برود، وإنما كان يسأل عن مرضها بصدق.في تلك اللحظة، تضاربت مشاعر سارة، وتسائلت في نفسها فجأةً عما إن كان أحمد سيشعر بالندم حيال ما فعله في الماضي إذا أخبرته الآن بمرضها.حين لاحظ ترددها، دنا أحمد منها أكثر فأكثر، حتى كادت المسافة بينهما تتلاشى، وبدت عيناه قادرة على كشف كل ما تخفي

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل22

    ما الذي غيّرك هكذا ؟كم كنت أتمنى أن نعود إلى ما قبل عامين، إلى تلك الأيام الخالية من الهموم.” أنا هنا، أنا هنا “كان يرد عليها بلا كلل ولا ملل.كانت سارة تعرف أن لطفه في تلك اللحظة ليس سوى وميض عابر، وكان ينبغي لها ألا تقترب منه، لكنها لم تستطع مقاومة الرغبة في التمسك بأي قدر من الدفء.أحمد، لو كنت كما كنت سابقًا، هل كان هذا سيعجبك؟……استفاق أحمد قبل بزوغ الفجر، ووجد نفسه يشعر بوجود شخص آخر بين ذراعيه قبل أن يفتح عينيه. تذكر تلك الزجاجات الفارغة من الكحول التي شربها ليلة أمس، وكان يعرف جيدًا أنه يتمتع بقدرة تحمّل جيدة، ومع كونه منضبطًا، لم يكن من الممكن أن يعاني من فقدان الذاكرة بعد شرب الكحول.كان الألم في رأسه شديدًا، ولم يستطع تذكر ما حدث ليلة أمس، مما جعله يشعر بالقلق، بل وحتى الخوف من فتح عينيه. وعندما تهيأ نفسيًا، فتح عينيه ببطء، وعندما رأى أن تلك الشخص كانت سارة، تنفس الصعداء بارتياح.ولكن، تذكر وضعهما الحالي، وهم بأن يدفعها بعيدًا. وعندما كان يستعد لسحب ذراعه، نظر إلى وجهها، فتجمدت حركته.كم من الوقت مضى منذ أن نظر إليها بهدوء هكذا؟ وعندما تذكر لقاءاتهما الأخيرة، كا

Scan code to read on App
DMCA.com Protection Status