الفصل17

فطنت سارة للأمر على الفور.

واتضح لها أن الخالة سميّة هي من خططت لكل ذلك بعناية.

فقد أخبرتها بالفعل قبل أيام قليلة أنها ستحضّر لها مفاجأةً كبيرة.

شعرت سارة بشعور دافئ يعمّ قلبها.

فبغض النظر عن كيفية معاملة برهان لها، كانت الخالة سميّة هي الحضن الدافئ الوحيد الذي يحتوي سارة في هذا العالم، ولم يتبق لها سوى شهرين لتعيشهما، فمن أجل الخالة سميّة على الأقل، كان يجب على سارة أن تتعاون مع برهان، ليقدما تمثيليةً مُتقنة."

"شكرًا لك يا أمي، أحببت هذه المفاجأة كثيراً، أنظري يا أمي، هذت فستان الزفاف الذي صممه لي برهان، هل هو جميل؟" سألت سارة الخالة سمّية وهي ترفع فستان زفافها.

نظرت الخالة سميّة إلى الفستان، وطالعته بعينيها عدّة مراتٍ صعودًا ونزولًا، ثم احمرّت عيناها وقالت:" عزيزتي سارة، لم أتوقع أن تكوني جميلة جدًا بهذا الماكياج، أنت وبرهان زوجان مثاليان حقًا."لم تستطع الخالة سميّة إطباق شفتيها من شدّة الفرح.

كانت كلماتها صادقة وتخلو من أي مبالغة.

لم تكن الخالة سمية وحدها من رأت أن سارة وبرهان يشكلان ثنائيًا مثاليًا، بل حتى موظفي المطعم لاحظوا التوافق الكبير بينهما.

قالت الخالة سمية بنبرة أسف واعتذار: "سارة، أنا لم أتزوج قطّ في حياتي، ولم أحظَ بفرصة ارتداء فستان الزفاف، كنت أتمنى بشدة أن أراك ترتدين فستان الزفاف وتدخلين قفص الزواج الذهبي بشكل مشرف، ولكن بسبب ظروف مرضي، لم يرغب برهان في إقامة حفل زفاف كبير، لذلك قررنا إقامة الحفل هنا. لن يكون هناك حضور، لكنني هنا لأبارك لكما من كل قلبي. ما رأيك؟"

كانت سارة تعلم جيدًا أن السبب وراء عدم رغبة برهان في إقامة حفل زفاف كبير لم يكن ظروف والدته المرضية، بل لأن زواجهما ما هو إلا صفقة تعاون.

لكنها لم تُبدِ ذلك، بل قالت بابتسامة عريضة: "يا أمي، مباركتك تكفيني وزيادة، وإذا حضر المزيد من الغرباء فلن أعرفهم، فأنا سأعيش حياتي مع برهان، وليس مع الناس، فما حاجتي بالكثير منهم؟

زادت سعادة الخالة سمية بسماعها ذلك، ورفعت معصمها وأمسكت بيد سارة، وألبستها سوارًا زمرديّاً أخضر اللون، وقالت لها بابتسامة: "كنّتي هي الأكثر فهمًا وحُسنًا، أنا سعيدة بك جدًا. حتى لو غادرتُ الحياة الآن، سأكون مطمئنة."

أمسكت سارة بيد الخالة سمية وقالت لها بنبرة توبيخ لطيفة: "أمي، اليوم هو يوم زفافي أنا وبرهان، لا تقولي مثل هذا الكلام."

"حسنًا، حسنًا، فلندخل." قالت الخالة سمية وهي تضحك.

ظل برهان صامتًا طوال ذلك الوقت، بينما سارة تمسك بذراعه. كان في حيرة من أمره، كيف أن سارة التي كانت تبدو باردةً وصامتةً أمام الجميع دائمًا، أصبحت تتحدث كثيرًا أمام والدته؟ لقد جعلت والدته تشعر بسعادة حقيقية.

أثار هذا الأمر بعض المشاعر في قلبه.

أمسك برهان وسارة بأيدي بعضهما البعض، وبجانبهما الخالة سميّة تجلس على كرسيها المتحرك، ودخل الثلاثة إلى قاعة صغيرة في الطابق العلوي من المطعم، حيث كانت كل الترتيبات قد أُنجزت. وكان هناك قسٌ في مقدمة القاعة.

عندما دخلت سارة ذلك المكان، شعرت فجأة أن هذا هو حفل زفافها الحقيقي، وغمرها شعور مقدّس. لكن سرعان ما صحبه شعورٌ بالسخرية من نفسها.

هل ستحظى يومًا ما بحفل زفافٍ حقيقي مع رجل تحبه؟

لن يحدث ذلك على الأرجح.

من سيرغب في امرأة خرجت من السجن بلا مأوى، ولا وظيفة، وحملت قبل أن تتزوج؟

ربما لا أحد.

لذلك ستعتبر أن هذا هو حفل زفافها الحقيقي.

وقفت سارة وبرهان أمام القس، واستمعت سارة بانتباه إلى تلك التعاليم. وعندما سألها القس: "هل تقبلين الزواج من السيد برهان رستم؟ سواء في السراء أو الضراء، وفي الغنى أو الفقر، وفي الصحة أو المرض، هل ستحبينه وتكونين وفية له بلا حدود وإلى الأبد؟

أومأت سارة برأسها مؤكدةَ: "أوافق!"

لكن في داخلها، كانت تشعر بحزن شديد.

فخاطبت جنينها بصمتٍ وقالت: "حبيبي، هل تشهد زفاف أمك؟ ربما لن أتزوج مرة أخرى في حياتي، لذلك سأعتبر أنني أبحث لك عن أب، حسنًا؟"

وفي تلك اللحظة، سُمع صوت القس يقول: "فليتبادل العروسين الخواتم."

أمسكت سارة بالخاتم الذي اشتراه برهان مسبقًا، ولم تكن تعرف قيمته، لكنها كانت تتبع الإجراءات، وتبادلت معه الخاتم، وعندما رفع برهان يدها ليضع الخاتم في إصبعها، عادت لذاكرتها تلك الليلة مرة أخرى. كان يراودها شعور دائم بأن برهان يشبه ذلك الرجل.

ثم قال القس: "أيها العريس، الآن عليك أن تقبّل عروسك."

انتبهت سارة من شرودها فجأة، وشعرت بالصدمة.

هنا، سيقبلني برهان؟

كيف يمكن ذلك!

حتى لو لم تكن قد رأت ذلك الرجل الذي مات، إلا أنها لم تكن على استعداد لتقبّل رجلين مختلفين في غضون شهرين فقط.

كان هناك شعور بالذنب يغمر قلبها، وكانت مشمئزّةً من نفسها.

ودون وعي منها، أدارت سارة رأسها للجهة الأخرى. وكانت الخالة سمية الجالسة على بعدٍ منهم في الصفوف الأمامية تظن أن سارة تشعر بالخجل، وتبتسم ابتسامةً لطيفة بينما تنظر إلى العروسين.

انحنى برهان نحو سارة بشدّة، ثم قبّل شفتيها. لم يكن لدى سارة مفرُ من ذلك الموقف، ولم تستطع المقاومة أمام عينَي الخالة سميّة، فشعرت مرة أخرى بأنها خاضعةُ لسيطرته، مما أعاد إلى ذاكرتها ذلك الرجل الذي مات.

كان لدى برهان القوّة المتسلّطة ذاتها.

بعد تلك القبلة، أصبح وجه سارة الصغير أحمرًا كالدّم، وشعر برهان بشعور غريب، وكأن هناك شيئًا مألوفًا بينه وبينها؛ الأمر الذي أزعج برهان وأثار قلقه.

وبينما كانت الخًالة سمية بجانبهما، باركت لهما قائلة: "بارك الربّ حياتكما، وملأها بالسعادة والفرح."

وهكذا انتهى حفل الزفاف الذي لم يشهد عليه سوى القس ووالدة برهان. ولكن كان في احدى زوايا ذلك المطعم، كان هناك ثلاثة أشخاص آخرين مختبئين.

كان السيد سمير، وزوجته غادة، وابنتهما لينا يراقبون الحفل في خفاءٍ ويستشطون غضبًا بعد تلك الإهانة الشديدة.

وكانت لينا خصوصًا، تغار بشدّة إلى حد الجنون.

بدأ أفراد العائلة الثلاثة يتساءلون، كيف يتزوج برهان سارة مع أنه لا يعرف أن الشخص الذي أنقذه في تلك الليلة بجسده كانت هي سارة ذاتها؟ ولماذا وعد لينا بالزواج منها بعد شهرين؟ لا بد أن هناك دوافعًا أخرى لهذا الزواج.

وفي اللحظة التي كانوا فيها يتساءلون، مرت امرأةٌ خمسينيةٌ ترتدي زيّ ممرضةٍ من جانبهم، فتقدمت إليها السيدة غادة وجاملتها ببعض الكلام الطيّب، ثم سألتها وكأنها مصادفة: "لماذا حفل زفاف العروسين الذي يقام هنا بهذه البساطة؟ لماذا لا يدعون أيّ أقارب أو أصدقاء؟"

تنهّدت الممرضة وقالت: "يا له من أمرٍ مؤسف، لقد أصبح ابن هذه السيدة العجوز رجلًا ناجحًا، لكنها لن تعيش معه سوى شهرين آخرين فقط، وقد اختارت هذه الفتاة عروسًا لابنها، ولا يبدو أن ابنها يحبها، لذلك أقاموا حفل زفاف بسيطٍ هنا تلبيةً لرغبة السيدة العجوز."

سكتت السيدة غادة قليلًا.

ثم قالت: "الأمر هكذا إذن."

ثم راحت وأخبرت زوجها سمير وابنتها لينا بهذا الخبر الجيد.

اشتعلت غيرة لينا أكثر وقالت: "استطاعت سارة أن تحظى بحبّ والدة برهان؟ سأجعلها تتمنى الموت!"

قالت ذلك، ثم أخرجت هاتفها وأجرت مكالمة: "أبو الرّوس، ساعدني على التخلص احداهنّ، وسأدفع لك أي مبلغ تريده!"