حتى تتجنب عناء الصعود والنزول، لم تغادر هند غرفة النوم بالطابق الثاني منذ تعرضها لإصابة في كاحلها. كانت العاملة توصل لها الطعام يوميًا. في إحدى المرات، وبينما كانت هند منهمكة في العمل على حاسوبها المحمول، سمعت صوت فتح الباب. اعتقدت أن العاملة جاءت لتوصيل الطعام، فقالت دون أن تنظر: "ضعيه على الطاولة، سأتناول الطعام بعد قليل.""الأفضل أن تأكلي الآن قبل متابعة العمل. دقائق لن تضركِ." كان صوت طارق.رفعت" هند" رأسها لترى طارق وقد جاء بنفسه بالطعام. فوجئت وقالت: "انهيت عملك؟""نعم."أغلقت "هند" الحاسوب، ووضع طارق الطعام على الطاولة المجاورة لسريرها، ثم نزل ليتناول طعامه.بعد أن انتهت من تناول الطعام، عاد طارق ليأخذ الأطباق. هذه المرة، كان يحمل كيسًا بلاستيكيًا مليئًا بالأدوية. جلس بالقرب منها وبدأ بإخراج الأدوية، بعضها كان للالتهابات وبعضها الآخر خاص بمعدتها.لم تشمل هذه الأدوية تلك الموصوفة للتو من المستشفى فحسب، بل تشمل أيضًا “أدوية اضطراب الجهاز الهضمي” التي تناولتها من قبل.كان طارق ينظر وهو يخرد الأدوية واحدًا تلو الآخر، خفق قلب هند وأمسكت بإحكام بزوايا ملابسها.سألها وهو يمسك زجا
"سأحاول قدر المستطاع." قالها طارق."ما الأمر مع الآنسة خلود؟" استجمعت هند شجاعتها لتسأله.كانت تشعر في أعماقها أن طارق لن يعود هذه المرة، تمامًا كما حدث بالأمس.تساءلت عن السبب الذي دفع خلود لاستدعائه مجددًا، يومين متتاليين.استدار طارق لينظر إليها بملامح عابسة، "هند، لم تعتادي على الأسئلة الكثيرة هكذا بالماضي."شحب وجه هند، "قدمي تؤلمني بشدة، ألا يمكنك...""إصابتكِ ليست خطيرة، إذا كنتِ بحاجة إلى شيء، استدعي العاملة."أنهى كلماته ببرود واستدار، مغادرًا دون أن يلتفت مرة أخرى.ظلت هند تحدق في ظهره وهو يبتعد، تتجرع مرارة الخيبة.نادراً ما كانت تُظهر جانبها اللطيف والضعيف أمامه، لكنه شعر أنها تبالغ.حينما لا يكترث أحد لوجودكِ، حتى وإن أظهرتِ ضعفكِ، فلن يغير هذا شيئًا.كانت تعلم جيدًا أنهما على وشك الطلاق، فما الذي يجعلها تعتقد أنها تملك الحق في السؤال؟لقد كانت في وهم مجرد وضعه للدواء لها جعلها تنسى نفسها .لكن إهانة أخرى كانت بانتظارها.لكن ما لم تتوقعه هند أن طارق لم يعد في تلك الليلة ولا الليلة التي تليها .جلست تنتظره طوال الليل، متشبثة بالأمل، تتصفح هاتفها بملل حتى استسلمت للنوم في
سيدة هند، لقد أظهرت التحاليل أنكِ ولدتِ بجدار رحم رقيق، فالجنين وضعه غير مستقر، ويجب عليكِ أن تكوني حذرة في نظامكِ الغذائي وممارسة الرياضة اليومية. أوصاها الطبيب بذلك وهو يكتب لها الوصفة الطبية "تفضلي، اذهبي لصرف الدواء"ردت هند عليه وهي تأخذ منه البطاقة وتنهض ببطء قائلًة له : "حسنًا، شكرًا لك يا طبيب"كرر الطبيب كلامه مرة أخرى وقال:" كوني حذرة، ولا تستهيني بالأمر!"فجدار الرحم الرقيق قد يؤدي إلي الإجهاض، ومعظم النساء اللواتي يجهضن مرة، يجدن صعوبة في الحمل مرة أخري. فأجابت هند بابتسامة لطيفة،” حسنًا، شكرًا لك يا طبيب، سوف أفعل ذلك.”بعد ثلاث سنوات من الزواج، لما يكن أحد أشد منها اشتياقًا لقدوم المولود، سوف تبذل كل ما بوسعها لكي تحافظ عليه. خرجت هند من العيادة متجهة إلي سيارتها بعد أن صرفت الدواء.أدار السائق السيارة، ونظر إليها من المرآة وقال لها:" سيدتي، أوشكت رحلة السيد علي الوصول، لم يتبق سوي 20 دقيقة، هل نتوجه مباشرًة إلي المطار ؟""حسنًا"كانت فكرة أنها سوف ترى زوجها بعد 20 دقيقة تجعل قلبها يرفرف من الفرح، وفرغ صبرها عن الانتظار حتي تراه.لقد غادر طارق البلاد قرابة شهر في رحلة
" نعم، إنه أنا"" هل ثملت..." " لقد شربت القليل مع أحد أصدقائي "كان هناك صوت ماء قادم من الحمام، وهند كانت متعبة وتتقلب علي سريرها.وكانت تشعر بأن أحد ما بجوارها علي السرير.وبعد ذلك سقطت يد كبيرة علي خصرها، وكانت تتحرك برفق علي جميع جسدها، وكأنها تستعد لفعل شئ ما." لا ..... الليلة لا يمكن...." أغلقت هند عينيها، وكانت تمنعه وهي نائمة.كانت تخشى أن يصاب الطفل بأي أذي بلا وعي منها.توقفت تلك اليد علي ظهرها، وقال لها "نامي" كانت هند حينها متعبة جدًا، لذا فقد غرقت في النوم. وفي صباح اليوم التالي، لم تجد هند سوى غطاء السرير الذي كان متجعدًا خلفها، والذي أثبت أنه قد كان موجودًا في الليلة الماضية. شعرت هند بالأسف لهذا، وكيف أنها غرقت في النوم بهذه السرعة.وبعد أن انتهت هند من الاستعدادات الصباحية، دخلت غرفة الملابس واختارت بدلة بيضاء لطارق، فبما أنها حامل، رأت أن الأمر يستحق الاحتفال، ثم اختارت أيضًا رابطة عنق حمراء له، ووضعتهم علي حافة السرير.عاد طارق من جولة الجري الصباحية مرتديًا ملابس منزلية، وجلس علي الأريكة، وعندما رآها تنزل من الدرج، وضع وثائق كان يقرأها جانبًا وقال، فلنتناول ال
علي مدار تلك الثلاث سنوات، فعلي الرغم من أن زواجهما لم يُعلن، إلا أنهما لم يختلفا عن أي زوجين عاديين.فقد كانت في صبيحة كل يوم تختار لها بدلته، وتربط له رابطة عنقه، ويخرجان سويًا للعمل.وكان في المساء يخبرها بمواعيد عمله وسهراته.الأنشطة الليلية اليومية، وحماماتهما المشتركة أحيانًا، وقبلة "تصبحين على خير" التي لم يغفل عنها يومًا.ولم تكن هدايا أعياد الميلاد وأعياد الحب وذكري زواجهما تفوته أبدًا.ولم يتأخر أبدًا عنها في شئ كانت ترغب فيه.الرومانسية والاهتمام بالتفاصيل الصغيرة، لم يبخل أبدًا بشئ منها. فعل كل مايفعله الزوج الذي تحلم به أي مرأة.حتي هي، اعتقدت أن حياتها سوف تظل سعيدة بهذا الشكل للأبدولكن ، خلود قد عادت.لذا، توجب إنهاء كل شئ.إذًا الصوت الذي سمعته لتلك الفتاة بالأمس، لابد وأنه كان صوت خلود. هل كانا علي اتصال ببعضهما منذ فترة طويلة؟هل كانا معًا طوال ذلك الشهر الذي سافر فيه للعمل ؟وعادا معًا للبلاد بالأمس ؟هل كان يرافق خلود ليلة الأمس؟ حين فكرت في ذلك، شعرت هند ببرودة تجتاح قلبها. وكأن طارق كان يمزق قلبها بشفرات حادة، تاركًا إياه ممزقًا ينزف.قال طارق: "هند، لا تقلقي.
كانت هند تمسك هاتفها بقوة، وكانت تشعر بألم في صدرها كاد أن يخنقها.اتضح أساسًا أن طارق أخذ خلود ليلتقي بأصدقائه بعد أن خرج من المطار.الجميع لديه علم بالأمر، فالجميع يبارك ويهنئ.وحدها فقط من كانت غافلة عن الحقيقةطوال تلك الثلاث سنوات من زواجها، لم يكن أحد يعلم بذلك الأمر إلا عائلته.لم يأخذها طارق ولو مرة واحدة لمقابلة أصدقائه أو رفاقه، وحتي وإن حدث ذلك مصادفًة، فالجميع كان ينظر إليها وكأنها ربيبة لعائلته." سيدتي؟"وصل السائق إلي المرآب ليأخذ السيارة، ولكنه وجد أنها لم تتحرك، فنادى عليها متعجبًا.فمسحت دموعها المنهمرة بسرعة، وتظاهرت وكأنها لم تسمع النداء، وشغلت السيارة وانطلقت فورًا.ما كانت هند لتسمح بتسرب المشاعر العاطفية للعمل.فما كان لديها من وسيلة لتشتيت تلك المشاعر إلا الانغماس في العمل.فتحت بريد طارق الإلكتروني، وأرفقت الخطة ، ثم ضغطت على زر الإرسال.وعلى الفور جاءها الرد من طارق، كالمعتاد مختصرًا : تمت الموافقة، تابعي الموضوع عن كثب.في البداية ترددت هند قليلًا، ثم كتبت له "حسنًا"، وبدأت مباشرة في توزيع المهام.وفي المساء وعند انتهاء العمل، تلقت هند رسالة من طارق قال فيها،
برودة طفيفة أصابت أنف هند، وضباب أبيض جري في عينيها، وشعرت بمرارة في قلبها لم تعهدها من قبل. لم تر هند طارق بهذا الحنان من قبل، فطوال الثلاث سنوات من زواجهما لم تعهد منه سوي البرود.كانت دائمًا ما تواسي نفسها قائلة إن هذه طباعه ولن تتغير.كررت تلك الكذبة كثيرًا لدرجة أنها صدقتها.أمّا الآن، فقد رأت هذا بأم عينها، فطارق يعرف كيف يكون حنونًا، ولكنه أعطي كل هذا الحنان لامرأة أخري.ثم ركب طارق السيارة مع هذه المرأة ومرّ من أمام سيارتها، ولم يلحظ حتى وجود سيارتها."سيدتي، لقد عدتِ، ماذا ترغبين أن تأكلي علي العشاء.."لاحظت الخالة ما بوجه هند من تعب، ورأت الدموع تتلألأ من علي خدها، ولم تكمل حتي حديثها، حتي رأتها تدخل إلي غرفة نومها مباشرة، ودون أن تنطق بأي كلمة. فقدت هند قوته وانحنت على الباب، وكانت تشعر بألم شديد في حلقها.بعد أن كظمت حزنها طوال اليوم، لم تستطع أن تتحمل أكثر من ذلك. فتغطت عينيها بطبقة من الدموع والتي تدفقت بغزارة، وانهمرت على وجنتيها.كانت تتألم بشدة، وكأن الألم يمزق قلبها.لقد عانت بما فيه الكفاية من معاناة العيش وحيدة بعد طلاق والديها، ولم تكن تريد لطفلها أن يعاني نفس ال
ما إن سمعت وكيلة إسراء صوت المديرة هند حتى بدأت تصرخ بغضب وقالت: "مديرة هند! إذا كنتم تعتقدون أن مكانة إسراء لا تناسب مستوى شركتكم، قولوا ذلك بصراحة! إسراء لا تحتاج إليكم أبدًا! والآن، بعدما تخلت عن عروض إعلانية أخرى من أجلكم، قررتم فجأة استبدالها؟ هل تسخرون منا؟ يجب أن تعطوا إسراء تفسيرًا لهذه المهزلة"!ردت هند بكل هدوء: "آنسة هبة، من فضلكِ اهدئي. إسراء هي من اخترناها للتمثيل الإعلاني، كيف سنستبدلها؟""حقًا ! يبدو أنكِ لا تعلمين! مدير قسم العلاقات العامة لديكم اتصل شخصيًا وأخبرنا بأنكم ستغيرون الممثلة!"انصدمت هند للحظة بعد أن سمعت تلك الكلمات، ثم قالت: "آنسة هبة، سأتحقق من هذا الأمر فورًا، وسأعطيكِ تفسيرًا واضحًا لهذا الأمر."أغلقت الهاتف بوجه متجهم، وقامت فورًا متجهة مباشرًة إلى قسم العلاقات العامة، وكان صوت كعب حذائها العالي يرن في الممرات.خلال السنوات الثلاث التي قضتها في الشركة، لم تكن هدير تتوقف عن مضايقتها ووضع العراقيل أمامها.كان الموظفون يتبادلون النظرات وهم يراقبونها تتحرك بغضب، يهمسون: "يبدو أن هناك عرضًا مثيرًا اليوم. مديرة العلاقات العامة هدير ومديرة التسويق هند لا يتفق
"سأحاول قدر المستطاع." قالها طارق."ما الأمر مع الآنسة خلود؟" استجمعت هند شجاعتها لتسأله.كانت تشعر في أعماقها أن طارق لن يعود هذه المرة، تمامًا كما حدث بالأمس.تساءلت عن السبب الذي دفع خلود لاستدعائه مجددًا، يومين متتاليين.استدار طارق لينظر إليها بملامح عابسة، "هند، لم تعتادي على الأسئلة الكثيرة هكذا بالماضي."شحب وجه هند، "قدمي تؤلمني بشدة، ألا يمكنك...""إصابتكِ ليست خطيرة، إذا كنتِ بحاجة إلى شيء، استدعي العاملة."أنهى كلماته ببرود واستدار، مغادرًا دون أن يلتفت مرة أخرى.ظلت هند تحدق في ظهره وهو يبتعد، تتجرع مرارة الخيبة.نادراً ما كانت تُظهر جانبها اللطيف والضعيف أمامه، لكنه شعر أنها تبالغ.حينما لا يكترث أحد لوجودكِ، حتى وإن أظهرتِ ضعفكِ، فلن يغير هذا شيئًا.كانت تعلم جيدًا أنهما على وشك الطلاق، فما الذي يجعلها تعتقد أنها تملك الحق في السؤال؟لقد كانت في وهم مجرد وضعه للدواء لها جعلها تنسى نفسها .لكن إهانة أخرى كانت بانتظارها.لكن ما لم تتوقعه هند أن طارق لم يعد في تلك الليلة ولا الليلة التي تليها .جلست تنتظره طوال الليل، متشبثة بالأمل، تتصفح هاتفها بملل حتى استسلمت للنوم في
حتى تتجنب عناء الصعود والنزول، لم تغادر هند غرفة النوم بالطابق الثاني منذ تعرضها لإصابة في كاحلها. كانت العاملة توصل لها الطعام يوميًا. في إحدى المرات، وبينما كانت هند منهمكة في العمل على حاسوبها المحمول، سمعت صوت فتح الباب. اعتقدت أن العاملة جاءت لتوصيل الطعام، فقالت دون أن تنظر: "ضعيه على الطاولة، سأتناول الطعام بعد قليل.""الأفضل أن تأكلي الآن قبل متابعة العمل. دقائق لن تضركِ." كان صوت طارق.رفعت" هند" رأسها لترى طارق وقد جاء بنفسه بالطعام. فوجئت وقالت: "انهيت عملك؟""نعم."أغلقت "هند" الحاسوب، ووضع طارق الطعام على الطاولة المجاورة لسريرها، ثم نزل ليتناول طعامه.بعد أن انتهت من تناول الطعام، عاد طارق ليأخذ الأطباق. هذه المرة، كان يحمل كيسًا بلاستيكيًا مليئًا بالأدوية. جلس بالقرب منها وبدأ بإخراج الأدوية، بعضها كان للالتهابات وبعضها الآخر خاص بمعدتها.لم تشمل هذه الأدوية تلك الموصوفة للتو من المستشفى فحسب، بل تشمل أيضًا “أدوية اضطراب الجهاز الهضمي” التي تناولتها من قبل.كان طارق ينظر وهو يخرد الأدوية واحدًا تلو الآخر، خفق قلب هند وأمسكت بإحكام بزوايا ملابسها.سألها وهو يمسك زجا
لم تعرف هند كم مضى من الوقت حتى أفاقت وسط ظلام حالك، لتشعر برائحة المطهرات تخترق أنفها بقوة.فتحت عينيها ببطء، ونظرت حولها لتجد نفسها في غرفة مستشفى."هند لقد استيقظتِ؟ كيف تشعرين؟" لترفع هند عينيها وترى وجه طارق الوسيم أمامها.دون أن تشعر، وضعت يدها على بطنها، وردت بهدوء:"أنا بخير... "ثم ألقت نظرة نحو النافذة لترى أن الليل قد خيم.في تلك اللحظة، سمعت صوت معدتها تقرقر بصوت مسموع ."جائعة؟ سأطلب شيئًا ليُحضَر فورًا." قالها طارقلكن هند رفعت رأسها ونظرت إليه بنبرة طفولية لم يعهدها منها:وقالت "طارق، أنا جائعة جدًا الآن. لا أريد الانتظار. هل يمكنك أن تذهب بنفسك لشراء الطعام؟" هند رفعت رأسها ونظرت إليه .طارق، الذي فوجئ بهذا الطلب الممزوج ببراءة لم يعهدها منها، هز رأسه دون وعي وقال:"بالطبع، سأذهب فورًا. لكن لا تتحركي من السرير، وإذا شعرتِ بأي ألم، استدعي الممرضة فورًا."هزّت هند رأسها بالموافقة، وانتظرت حتى غادر. ثم ضغطت على زر الاستدعاء، لتدخل الممرضة بعد لحظات."كيف يمكنني مساعدتكِ، سيدتي؟ هل تشعرين بأي ألم؟"قالت هند بقلق وهي تضع يدها على بطنها:"أريد أن أعرف عن حالة طفلي..."
رفعت خلود عينيها بفرح، وهتفت :طارق! خطا طارق خطوات واسعة نحوها، لكن فجأة تغيرت ملامح وجهه وصاح: “احذري!”هند التي كانت قريبة، رفعت رأسها عند سماع الصوت، لكنها فجأة شعرت بدفعة قوية أسقطتها أرضًا.دوى صوت التصادم! سقط أحد الأرفف الثقيلة على الأرض، محدثًا ضجيجًا مدويًا.وجدت هند نفسها على الأرض، حاولت الحركة، لكن قدمها لم تستجب.طارق الذي كان قد اندفع لاحتضان خلود وحمايتها،سأل بقلق: “هل أصبتِ؟”ردت خلود بصوت مليء بالخوف: "طارق كدت أموت من الذعر! لولا أنك جذبتني في اللحظة الأخيرة، لحسن الحظ أنك أتيت لأخذي من العمل وإلا لكانت الكارثة قد وقعت عليّ.”استندت خلود على صدره وهي ترتعش، فيما تحدثت إحدى الحاضرات وقالت:”يا لحسن الحظ! لو لم يكن طارق سريعًا، لكانت خلود الآن في خطر كبير!”تجمدت هند في مكانها وكأن جسدها كله قد تخدر حتي أنها لم تشعر بألم قدمها، وهي ترى المشهد أمامها، حيث كان طارق يحتضن خلود بحنان. هو يرى خلود فقط !لم يكن الأمر متعلقًا باهتمام طارق بخلود فحسب، بل بالطريقة التي دفعها بها إلى الخطر لإنقاذ خلود.من أجل حماية خلود يمكنه دفعها للخطر بل حتي للموت بدلاً عنها .إذا كان يحب
أغمضت هند عينيها بسرعة، متظاهرة بالنوم. أنا لا أراه ... لا أراه .... لا أراه... كانت تردد ذلك في قلبها مرارًا؛ولكن جسدها المرتعش فضح تماما مشاعرها . خطوات الرجل تقترب أكثر فأكثر. كان يتقدم نحو سريرها .هند شعرت بقلبها يكاد يقفز من صدرها. وفجأة، شعرت ببرودة تسري في جسدها... لقد تم رفع الغطاء عنها. تجمدت هند في مكانها، وأغمضت عينيها بإحكام، وشدت ساقيها بقوة وهي تردد في داخلها : أنا نائمة ... أنا نائمة. طالما لا أراه، فلن يقتلني .... لكن صوتا منخفضًا ساخراً اقترب من أذنها وهمس: "أعلم أنكِ مستيقظة افتحي عينيكِ وانظري إلي.... وإلا... سأفعل بكِ ما تكرهينه ثم أقتلكِ." ارتجف عقل هند كليا فتحت عينيها ببطء، وصوتها يرتعش "سأفتح عيني... فقط أرجوك... لا تقتلني .... لا تقتلني.....ولكن قبل أن تكمل كلامها، توقفت فجأة..... لترى وجه الرجل الذي أمامها .إن لم يكن طارق فمن سيكون ؟همست هند بصدمة. ملامح وجهها تجمدت مزيج من الخوف الحيرة والإحراج اجتاحها في تلك اللحظة. أدركت أنها نسيت تماما أن طارق لا يزال في المنزل، وأن أمن الفيلا محكم جدًا بحيث لا يمكن لأي غريب الدخول. نظرت بعيدًا وهي تحاول التماس
ألن تذهب إلى الغرفة الأخرى؟هيا أسرع.قالتها هند وهي تلتقط المنشفة بسرعة، تحاول تغطية جسدها بارتباك.كانت هند مندهشة.كان وجهه الوسيم يقترب منها ببطء، وانتشر نفسه الدافيء على وجهها.لم تستطع إلا أن تغمض عينيها.حتى وإن كنت مغمض العينين، يمكنك الشعور بالضوء أمامك.لكن لم تأتِ تلك القبلة قط.فتحت هند عينيها.تراجع طارق بضع خطوات للخلف، وقال: “آسف، سأذهب للنوم في الغرفة الأخرى، استريحي"وقف خلف الباب، أغمض عينيه محاولًا أن يتناسى المشهد في ذهنه . كاد أن يقبلها.لقد جن حقًا.هو وهند علي وشك الانفصال ويمكنه أن يكون مع خلود قريبًا،كيف يمكنني أن أكون مع هند .... كان يحاول أن يبرر لنفسه ويواسيها، أي رجل طبيعي كان سوف يثيره هذا الموقف، إن هذا رد فعل طبيعي.فرك طارق جبينه.......تخدرت هند عند سماعها لصوت إغلاق الباب وتوقفت في مكانها.كانت برودة الغرفة تغزو جسدها العاري. سحبت الغطاء وغطت جسدها، وانكمشت إلى زاوية السرير، ودفنت رأسها فيه. لكنها لم تستطع كبح الدموع التي انسابت بلا توقف، حتى تبلل الغطاء.كان شكلها وهو يغادر ببرود كالصفعة على وجهها.أظهر لها القليل من الحنان، وكانت غارقة فيه.أر
قالها طارق بصوتٍ خافتٍ.لكن هند لم تلقِ له بالًا، بل صعدت الدرج متجاهلة وجوده تمامًا.نظر إليها طارق بعينين يملأهما الغموض، تابع خطواتها وهي تتلاشى عند نهاية الدرج. جلس في الأسفل لبعض الوقت، قبل أن ينهض متجهًا نحو غرفة النوم .دفع الباب بيده بهدوء، فلم يجد أحدًا في الداخل، لكن صوت المياه المتدفقة من الحمام أفصح عن وجود هند تستحم بالداخل .شعر طارق بحرارة تجتاحه، ابتلع ريقه ،و أرخى ربطة عنقه قبل أن يلتقط رداءًا من الخزانة ويذهب إلى حمام آخر ليغتسل هو أيضًا.عندما عاد، صادف خروج هند من الحمام.كانت قد نسيت أن تأخذ ملابس النوم، وشعرها شبه مبلل، وجسدها ملفوف بمنشفةٍ تصل بالكاد إلى أسفل فخذها.بشرتها البيضاء الصافية كالحليب.عنقها الطويلة وكتفاها الرشيقتان المكشوفان . ناهيك عن المناطق المغطاة بالمنشفة، فقد أثارت في مخيلة طارق ذكريات جعلته يتوقف للحظة.تقابلت أعينهما، ثم أسرعت هند وأشاحت بنظرها بعيدًا، توجهت إلى خزانة الملابس. وهي تبحث عن ملابسها، قالت ببرود:"سأنام الليلة في غرفة الضيوف.""هند !ماذا تعنين بذلك؟" رد طارق بصوتٍ مثقلٍ بالغموض.أجابته بسخرية وهي تشتم في أنفاسه رائحة خفيفة
كأن طارق يمسك بيده سكينًا ليطعن قلبها مباشرةً."هند، أليس مجرد رفع كأس لتحيي زوجة أخيكِ؟""ما المشكلة في ذلك؟""حقًا، الآنسة خلود متفهمة جدًا تحية الكأس لزوجة الأخ لا تحتاج لكل هذا العناء."كانت ملامح هند مشدودة، وشفتيها مطبقتين. تقدمت بخطى ثقيلة، وأمسكت بالكأس من الطاولة، رفعتها أمام خلود، ثم شربتها دفعة واحدة دون أن تنطق بكلمة، ووضعت الكأس، ثم استدارت وغادرت.ضحك باسم وقال: "حتى كلمة 'زوجة أخي' لم تنطقها."ثم أضاف بسخرية: "تعتقد نفسها ابنة العائلة الكبرى حقًا؟ كيف تتجرأ على إظهار عدم الاحترام لطارق أمام الجميع!"أحدهم تدخل قايلاً :"كونها حصلت على مكان في شركة طارق يعد كافيًا. أما الآنسة خلود، فهي السيدة المستقبلية للشركة، ولا يجوز لهند أن تستهين بها. طارق، هل سترى خلود تُظلم أمامك دون أن تتدخل؟"حاول جمال التخفيف من التوتر، وقال: "كفى، لنترك هذا الحديث."لكن أحد الحاضرين، راغبًا في كسب رضا طارق وخلود، قال بصوت عالٍ: "طارق، هند جاءت لعائلتكم عندما كانت في العاشرة. هي بالكاد تُعتبر متبناة، ولا ينبغي أن تُعامل بهذه المحاباة. انظر كيف لا تعيرك ولا تعير الآنسة خلود أي اهتمام، ربما بسبب دعم
رفع طارق بصره، فرأى هند تقف عند الباب.كانت تقف عكس الضوء، مما جعل ملامح وجهها غير واضحة، لكن كان لديه شعور قوي بأنها تنظر إليه.قالت هند بابتسامة خفيفة، بينما تمرر بصرها سريعًا على الحاضرين: "تصادفتُ مع باسم في الممر، فجئت لألقي التحية عليكم."سألها طارق بنبرة هادئة: "هل جئتِ لتناول الطعام مع أصدقائكِ هنا؟""نعم." أجابت باختصار.ابتسم جمال وقال: "هند، بماذا انتِ مشغولة مؤخرًا؟""بعرض العلامة التجارية م.ك؟."تفاجأ جمال للحظة، وأدرك أنه ألقى قنبلة دون قصد.لكن يبدو أن الآخرين ليسوا على علم بذلك، فأشار أحدهم نحو خلود وقال مبتسمًا: "أليست الممثلة هنا بالفعل؟"ابتسمت هند بخفة، ثم تقدمت إلى الطاولة وأخذت كأسًا فارغًا، وملأته بالشاي.قالت بهدوء: "اليوم لقاؤنا صدفة، أرفع كأس الشاي هذا بدلاً من النبيذ لتحيتكم جميعًا .أعتذر على الإزعاج، وسأعوضكم بدعوة لاحقة. أحييك ايضا يا أخي " نطقت هند كلمة "أخي" بوضوح. وهي كلمة لم تعتد تستخدمها منذ زواجها من طارق، حيث كانت تدعوه ب " طارق" .شربت هند الشاي دفعة واحدة. ثم أضافت: "أعتذر." "لدي أمور أخرى الآن، لذا لن أطيل ازعاجي ."لكن باسم تدخل بلهجة مازحة: "ه