حينذاك، لم يكن السيد باهر وحده بالردهة، بل كان يجلس بجانبه بسام وهدى.أخذ بسام ينظر إلى مُراد ببرودٍ بسبب ما حدث في الفيلّا، فكان انطباعه الأول تجاه مُراد سيء للغاية.وعلى العكس، كان السيد باهر ودودًا للغاية، وأمر الخدم بتقديم الشاي والماء له، كما لم يُبدي أدنى احتقار أو تقصير بالضيافة تجاهه."جدّي، أُقدم لك مُراد، الفضل يعود له بإنقاذي ليلة أمس"سردت لؤلؤة ما حدث تفصيلًا."مُراد، أشكرك كثيرًا على إنقاذ حياة حفيدتي، لن تنسى عائلة باهر معروفك هذا""وكما يقول المثل، رد الجميل دينٌ على ظهر الأصيل""أخبرني، ماذا تتمنى؟ سنُبذل ما بوسعنا لتلبية رغباتك"ابتسم السيد باهر بحرارة."لا داعٍ، لا أريد شيئًا"هزّ مُراد رأسه.كان إنقاذه لـلؤلؤة ليلة أمس نابعًا من العدل بداخله، ولم يُفكر بالحصول على أي شيءٍ في المقابل، كما أنه حصل على مكافأته نظريًا ليلة أمس.إلى جانب أنها لقنت شاهين درسًا قاسيًا في قطاع الأحوال المدنية وساعدته على استرداد كرامته.مما يجعل كلا الطرفين متساويين."حقًا؟""عليك أن تُفكر جيدًا، لن تتاح لك مثل هذه الفرصة مُجددًا"ترك السيد باهر فنجان الشاي من يده، وبدت نظرا
من حيث الخلفية أو النفوذ، من المؤكد أن الطبيب عثمان لا يمكنه أن يُقارن بعائلة باهر الكبيرة، لكن من حيث السمعة والمكانة، فهو لا يقل مكانة عن السيد باهر الكبير.فبعد كل شيء، الجميع قد يمرض في وقتٍ ما، والسيد عثمان هو الطبيب الأول المعترف به في مدينة المنصورة، فالعديد من أثرياء المدينة وذوي السلطة قد لجأوا إليه للعلاج، ويحترمونه بشدة."السيد باهر، أعتذر عن الإزعاج هذه المرة، لكني أتيت لإجراء فحص متابعة آخر لك..."قال السيد عثمان بابتسامة وهو يحيي السيد باهر.قبل نصف شهر، أصيب السيد باهر فجأة بمرضٍ خطير، وشعر بألم في صدره وصعوبة في التنفس.في ذلك الوقت، كان الطبيب عثمان هو الذي عالج السيد باهر من مرضه.اتفق الجانبان حينها على إجراء فحص متابعة بعد نصف شهر، وإذا كانت نتيجة الفحص مطمئنة، فهذا يعني أن المرض قد شُفي تمامًا."السيد عثمان، شكرًا لك على مجهودك""لا داعي للشكر يا سيد باهر، هذا واجبي"بعد تبادل بعض المجاملات القصيرة، أشار الطبيب عثمان إلى السيد باهر للجلوس، ثم بدأ بفحص نبضه وأخذ ينظر إلى لون وجهه.بدأ وجهه بالتجهم شيئًا فشيئًا.شعر بسام ببعض القلق، فسأل بصوت متردد: "كيف ح
"هذه أحد مواضع الوخز القاتلة في جسم الإنسان!"عبس العم عثمان، وأدرك أن دراسة هذا الشخص لكتب الطب كانت سطحية، لابد أنه درس الطب فقط ليجني ثناء الناس، لكن النتيجة أنه لا يعرف حتى أن هذا الفعل سيؤدي لوفاة الشخص."يا بني، ما هذا الهراء الذي تقوله؟ وخز الإبرة عند السرَّة والصدر قد يؤدي إلى الوفاة، هل يعقل أنك تقوم بالوخز بشكلٍ عشوائي؟""ألا تفهم في مواضع الوخز؟"وبَّخ مساعد العم عثمان مُراد، قائلًا: "يا بني، أرى أنك قد درست قشورًا من الطب ثم أتيت تبحث عن الثناء، أليس كذلك؟ لكن دعني أخبرك، أمثالك هم من جعلوا أبناء وطننا يتجنبون اللجوء للطب كما لو كان عقربًا سامًا."بدأ هذا المساعد بإعطاء مراد محاضراتٍ أخلاقية.كان مراد يفكر في شيء ليقوله، لكن سرعان ما قاطعته لؤلؤة."مراد، إن حياة جدي في خطر، والعم عثمان يحاول أن ينقذه، ألا يمكنك التوقف عن إثارة المشاكل؟"قالت لؤلؤة باستياء.بالرغم من أن مراد أنقذ حياتها البارحة، لكن هذا لا يعني أنه يمكنه التصرف باستهتار في منزل عائلتها.وعلاوة على ذلك، فإن هذا الأمر يتعلق بحياة جدها، لذلك لا يمكنها أن تسمح لمراد أن يتأمر وينتقد كما يحلو له."يا بن
"ياله من أمرٍ مضحك!""حتى أن الطبيب المتمرس عثمان ليس بوسعه علاج مرض السيد باهر الغريب، فمن تظن نفسك أنت ليكون لديك طريقة لإنقاذه؟""هل تعتقد أن مهاراتك الطبية أفضل من مهارات العم عثمان أم ماذا؟"قال مساعد العم عثمان ساخرًا."أصابتك رغبتك في الشهرة بالجنون!"عبس العم عثمان وأخذ يتفحص مُراد بنظراته، "هل أنت أيضًا طبيب؟""أنا لست طبيبًا..."هز مُراد رأسه نافيًا."كيف تتجرأ على قول هذا الهراء إن كنت لست بطبيبٍ حتى!""حتى لو كنت طبيبًا، فلن يمكنك علاج أي شخصٍ في عمرك اليافع هذا. أنت فقط تحاول جذب الانتباه كالمهرِّج تمامًا!"كان بسّام يشتعل غضبًا وهو ينظر إلى مُراد بقساوة.صمت مُراد، فقد توقَّع مثل هذه النتيجة.كما توقّع بالضبط، واجه الجميع كلامه بالرَّفض.من المؤكد أنه وقع في ورطةٍ مرة أخرى."ربما لا يكون مُراد مخطئًا!""فقد قال مُراد بالفعل عندما رأى جدي لأول مرة أن لون وجهه غريب وأن حياته في خطر!""وعندما وخز العم عثمان جدي بالإبر منذ قليل، أشار أيضًا إلى أن مواضع الوخز كانت خاطئة، لكن أحدًا منا لم يصدِّقه!""ولكن يبدو أنه كان على حق!"اتَّضحت الرؤية في عقل لؤلؤة بشكلٍ
انتهى مُراد من حقن الإبر.أصبح بعدها وجهه شاحبًا والعرق يتساقط من جبينه كما الأمطار، فسقط جالسًا على الأرض وكاد ينهار في الحال إثر الإرهاق.كان مُراد جاهلًا كل الجهل بتلك الطريقة السداسية للوخز بالإبر وليس لديه مهارات للتحكم في الإبرة، فلم يعتمد في تلك الطريقة إلا على قوة جسده التي ظهرت من العدم، والتي هي بالكاد كفيلة لإطلاق العنان لطريقة الوخز تلك."آآآه! آآآه!"وفي تلك اللحظة، استجاب جسد السيد باهر للحقن فجأة، ففتح كلتا عيناه، وأخذ يتقيأ دمًا بلا توقف، وسرعان ما تصبَّغت ملابسه وأرضية الغرفة أمامه بلون الدماء الأحمر.أغلق السيد باهر عينيه بعد ذلك فورًا، ولم تصدر عنه أي حركة، ثم توقَّف عن التنفس وفارق الحياة!"جدي.....""أبي......."وقفت لؤلؤة ووالدها بسَّام في صدمة وصرخا بحزن فيما يرميان بنفسيهما أمام جسد السيد باهر."كنت أعلم أن هذا الصبي كاذبٌ يبتغى الثناء وحسب، لكني لا أعلم كيف له أن يقوم بهذا الفعل المتهور في حين أن الأمر يتعلَّق بحياة أو موت شخص."" كدَّرتنا وعكّرت صفونا، كل هذا بسببك!"هز المساعد رأسه موافقًا، فقد توقع منذ وقت طويل بأن هراء مُراد الطبي لن يؤدي إلا إلى
"ما الذي حدث بحق الجحيم؟"بدا السيد باهر مرتبكًا، فقد استيقظ للتو من غيبوبته وكان غير مدركٍ لما يحدث حوله. "ما حدث هو......"ذهبت لؤلؤة ناحيته وأخبرته بالقصة بكل حذافيرها.صُعق السيد باهر وصفع بسَّام على وجهه قائلًا: "ألا تخجل من نفسك أيها الوغد؟ هل تعتقد أنك قمت بعملٍ خيِّر؟" "عندما أراد مُراد أن ينقذني، أراد أن يفعل ذلك بنيةٍ طيبة ولا يهم إن كان سينجح في علاجي أم لا، المهم أنه بذل ما في وسعه، كيف يمكن لك أن تقابل جميله بهذا النكران؟" "هيا اذهب بسرعة واعتذر لمُراد!"لم يكن بسًام يحب مُراد بسبب موضوع الفيلّا، لكنه أُرغم على الإعتذار منه تحت تخويف والده، "يا مُراد، ما حدث للتو كان خطأي أنا، أعتذر منك...""يا عم بسَّام، لم يكن هذا سوى مجرد سوء فهم، لا عليك."قال مُراد بسرعة.جاء العم عثمان أيضًا في هذا الوقت وانحنى لمُراد قائلًا: "يا أخي الصغير، أعتذر عن وقاحتي منذ قليل.""إن مهاراتك الطبيَّة رائعة للغاية، إنها بمثابة معجزة طبيَّة، وأنا كعثمان أحني رأسي إعجابًا وتقديرًا لها.""بالإضافة إلى ذلك، أود أن أستفسر منك عن شيء، ألم تكن طريقة الوخز تلك التي استعملتها للتو هي طريقة
"نعم."أومأ مُراد رأسه بجدية.مستواه التعليمي ليس عالياً وقدراته في العمل أيضاً ليست مميزة، لذا لم يكن من السهل عليه العثور على وظيفة جيدة في فترةٍ قصيرة.إذا كان بإمكان السيد باهر أن يوفر له وظيفة مستقرة، فهذا سيكون بمثابة مساعدة ضخمة له."يا مُراد، سامحني على صراحتي، بهذه المهارات الطبية الرائعة، كيف لك أن تبحث عن وظيفة عادية فحسب، بل إنه لن يكون أمرًا صعبًا عليك إذا أردت أن تصبح طبيباً شهيراً مثل العم عثمان!"قال السيد باهر بدهشة.بهذه المهارات الطبية التي عرضها مُراد أمامهم، الكثير من الأثرياء وأصحاب النفوذ قد يرغبون في التعامل معه.سواء أراد مُراد المال أو السلطة أو الشهرة والمكانة، فكل ذلك سيكون في متناوله بسهولة.هل هو بحاجة إلى البحث عن وظيفة؟"هذا...""يا سيد باهر، لأكون صادقاً، لم أتعلم الطب من قبل، وليس لدي شهادة لممارسة الطب.""الطريقة التي عالجتك بها للتو هي طريقة وخز بالإبر ورثتها من أجدادي، وقد تعلمت منها القشور فقط.""لقد تمكنت من علاج مرضك بالصدفة البحتة."ابتسم مُراد بإحراج.في الواقع، ليس لديه أي فكرة عن الطب، لكن المهارات الطبية الموروثة في قلادة اليشب
"يا لؤلؤة، عليكِ أن تتعلمي من تجاربكِ. العيش وحدكِ ليس آمناً على الإطلاق، الأفضل أن تعودي للعيش مع العائلة!" قال بسَّام بقلق، ولم يستطع منع نفسه من إلقاء نظرة على مُراد الذي كان واقفاً بجانبه.كان يريد أن تعود ابنته إلى العائلة، ليس فقط لحمايتها بل أيضًا لإبعادها عن مُراد. فمن خلال المعلومات التي حصل عليها، كان متأكدًا أن مُراد يحاول التقرب من ابنته، لذلك تجرأ على علاج الجد وحالفه الحظ هذه المرة.بالنسبة له، مُراد شخص عديم الفائدة، ولا يستحق ابنته على الإطلاق!"هذا مستحيل، لن أعود أبداً!" قالت لؤلؤة برفض."المنطقة التي أعيش فيها منطقة سكنية فاخرة وهي محمية بأفراد أمن محترفين على مدار الساعة. كما أن جدي قد وظف لي مرة أخرى ستة حراس شخصيين إضافيين لحمايتي، لذا لا داعي للقلق بشأن سلامتي!"هزت لؤلؤة رأسها رافضةً. كانت قد تعرضت للاختطاف ليلة أمس أثناء عودتها إلى المنزل، وكان ذلك مجرد حادث غير متوقع. حتى لو أراد أحد استهدافها، فإن العودة للعائلة لن تكون ذات فائدة."ولكن...""لا يوجد ولكن! طالما أن هدى لا تزال تعيش وسط العائلة، فلن أعود أبداً!" قالت لؤلؤة بحزم.شعر بسَّام بالعجز، فلم
شعر مُراد بألمٍ حاد على خده، فغطى وجهه بيده وهو يشعر بالغضب الشديد، كان متأكدًا أن خالد قد فعل ذلك عمدًا!ومع ذلك، فقد اعتاد على السخرية والإهانة خلال السنوات الثلاث التي قضاها متزوجًا في عائلة عامر، وقد طمست مها كل الحدة في شخصيته.اختار في النهاية أن يكتم غضبه ويتحمل مضايقات خالد.صرخ خالد بغضب: "ماذا تنتظر!""قم بجمع كل القطع المكسورة ونظف المكان!"مُراد حاول كبت غضبه، وركع ليجمع القطع الخزفية المكسورة من على الأرض.ضحك خالد بسخرية وقال: "أتريد أن تتحداني؟ أنت مجرد كلب أعمى، ما زلت صغيرًا جدًا لتلعب هذه اللعبة!"ثم داس بقوة على ظهر يد مُراد وأدار قدمه بقسوة.كانت يد مُراد مليئة بالقطع الحادة من الخزف، وتدفق ألم شديد عبرها، مما أدى إلى تمزق جلده فورًا وسال دمه بغزارة. شهق مُراد من الألم وسحب يده بسرعة، مسببًا انزلاق قدم خالد المفاجئ، ما أدى إلى سقوطه أرضًا وارتطامه بشدة، لينتهي به الأمر مستلقيًا على ظهره.صرخ خالد غاضبًا: "أيها الحقير، سوف أقتلك!"أمسك خالد بقطعة من سيجارته، محاولًا أن يحرق بها وجه مُراد.تفاجأ مُراد ورفع يده ليتصدى للهجوم، لكن قطعة السيجارة لامست جرحه ا
على الأقل ضميره لن يسمح له أن يمر بهذا الموقف بسهولة.صرخ خالد: "لا يهمني من تكون، غادر فوراً وإلا لن أكون لطيفًا معك!"كاد خالد أن ينفجر من الغضب، ونظراته كانت مليئة بالكراهية تجاه مُراد.كان مُراد مترددًا.لكن لؤلؤة كانت في ظهره وتدعمه، ولذلك لم يكن يخشى تهديدات خالد.ولكن لؤلؤة أوضحت له من قبل أنها لا تريد الكشف عن العلاقة بينهما، ولا ترغب في أن يستغل مُراد هذه العلاقة في الشركة.إضافة إلى ذلك، خالد كان رسميًا رئيسه المباشر وأحد الشخصيات المؤثرة في الشركة، ممثلًا لمصالح العديد من القيادات العليا.إذا دخل في مواجهة مع رئيسه في أول يوم له في العمل، فلن يكون ذلك في صالحه.وإذا تفاقمت الأمور ونتج عنها آثار سلبية داخل الشركة، فإن صورة مُراد أمام لؤلؤة ستتدهور كثيرًا.رأى خالد أن مُراد التزم الصمت، فظن أنه خائف وضحك ساخرًا: "ماذا تنتظر؟ غادر فوراً!"مُراد، وقد قرر أخيرًا، قال: "أيُها المدير خالد، جئت لأقدم نفسي لك حسب القواعد والإجراءات، وإن طلبت مني المغادرة، فهذا لا يبدو مناسبًا أليس كذلك؟"لقد اتخذ قراره النهائي.عندما أنقذ السيد عامر دون تردد وقبل أيام خاطر بحياته لإنقاذ ل
"أيُها المدير خالد، أرجوك دعني وشأني..."قالت سلمى بنبرةٍ يائسة وملامحها تعكس حيرة عميقة، إذ لم تكن تعرف ما الذي يجب أن تفعله.رد خالد مبتسمًا بخبث: "يا سلمى، النساء الجميلات مثلكِ خلقن ليُعجب بهن الرجال. يجب عليكِ استغلال هذه الميزة جيدًا!""لا تقلقي، طالما أنكِ ستكونين معي، أضمن لكِ الترقية وزيادة الرواتب. ستحصلين على كل ما تريدين في الشركة!"ضحك خالد ضحكة شيطانية وانتهز لحظة انهيار دفاعاتها النفسية ليحتضنها ويبدأ في محاولة تقبيل وجهها الجميل.حاولت سلمى المقاومة ولكن كلما تذكرت صورة والدتها المريضة في السرير، وحاجات شقيقها الدراسية، شعرت بالعجز عن المقاومة، وفقدت كل الشجاعة.في لحظة من اليأس الشديد، استسلمت تمامًا وامتلأ وجهها بالحزن.ثم فجأة، سمعوا طرقًا على الباب ودخل مُراد وهو يحمل بعض أوراق الانضمام للشركة من قسم الموارد البشرية.تجمد مُراد للحظة عند رؤية المشهد في المكتب، غير قادر على فهم ما يحدث.استفاقت سلمى فجأة ودفعت خالد بعيدًا، وقد احمرّ وجهها خجلًا.كان خالد على وشك تحقيق هدفه، ولكن مُراد قاطع المشهد، مما أشعل غضبه. نظر بغضب شديد إلى مُراد وقال: "من أنت أيها ال
في المكتب.جلس خالد، الذي يبلغ من العمر حوالي خمسين عامًا، ذو الرأس الأصلع والجسم الممتلئ قليلًا، خلف مكتبه.أمام مكتبه كانت تقف فتاة شابة ملامحها تبدو عليها علامات التوتر، ويديها متدليتين بجانبها.كانت الفتاة بالواحد والعشرين أو الثانية والعشرين من عمرها، ملامح وجهها دقيقة وجميلة، تبدو هادئة وعلى وجهها نظارة سوداء كبيرة تخفي جمال ملامحها.جسدها صغير وملابسها بسيطة، لكن ذلك لم يخفِ جمالها الطبيعي.اسم الفتاة التي تقف أمامه هو سلمى، وهي إحدى سكرتيرات الرئيس التنفيذي الثلاث في الشركة، مكانتها الوظيفية مثل مُراد، حيث كان مُراد سكرتيرًا إداريًا وهي سكرتيرة شخصية.بالإضافة إلى ذلك، فإن سكرتير الرئيس التنفيذي له رئيسان مباشران، الأول هو الرئيس التنفيذي نفسه والثاني هو مدير مكتب الرئيس التنفيذي.قال خالد وهو ينظر إليها بعينين ضيقتين ووميض خبيث في عينيه: "أيتُها السكرتيرة سلمى، لقد مر شهر منذ انضمامكِ إلى الشركة. صحيح أن أداؤك في العمل جيد، لكن ردود أفعالك ليست سريعة بما يكفي.""لستُ راضيًا تمامًا عن أدائكِ!""برأيكِ، كيف يمكننا حل هذا الأمر؟"شعرت سلمى بالصدمة وانحنت بسرعة قائلة: "أ
"لا أرى أنه سيء لهذا الحد..."احمر وجه لؤلؤة الجميل بشكلٍ ملحوظ لوهلة.ما كانت تتحدث عنه مع هيام قبل قليل كان مجرد حديث بين الصديقات.ولكن هيام قامت بشيءٍ غير متوقع، حيث ذكرت كل شيء أمام مُراد مباشرة.في تلك اللحظة، شعرت لؤلؤة بالحرج الشديد ولم تكن تعرف كيف تواجه مُراد.أما هيام، فقد كانت أكثر إحراجًا، فقد شعرت برغبة في البكاء بسبب خيبة أملها. لقد كانت تترقب ذلك الرجل بشدة، حتى أنها بدأت في الإعجاب بهذا الرجل المثالي في مخيلتها!لكنها لم تكن تتوقع أن الرجل الذي كانت تعتبره قويًا وشهمًا، كان في الحقيقة الرجل الخنيث الذي قابلته للتو!كانت تلك ضربة قاسية لها!لقد شعرت وكأن لؤلؤة قد وضعتها في مأزق!تنفست لؤلؤة بعمق وهدأت نفسها أولاً.ثم قالت، "مُراد، أنا بحاجة إلى سكرتير إداري بجانبي، أريد تعيينك في هذا المنصب، ما رأيك؟""إذا لم يعجبك المنصب، يمكنني تغيير الوظيفة لك!"قال مُراد بحماس، "بالطبع يعجبني! أنا سعيد جدًا."كان مُراد في غاية السعادة، إذ كانت الوظيفة التي عرضتها عليه لؤلؤة أفضل بكثير مما كان يتوقع، كما أنه سيكون بجانبها دائمًا ويتعلم منها الكثير من الأمور، وهذا شيء لم
"أنا بخير، كل الفضل يعود لمُراد الذي أنقذني..."هزت لؤلؤة رأسها وأخبرت هيام بكل ما حدث بالتفصيل.كانت هيام زميلة الجامعة وأقرب صديقة للؤلؤة.لم يكن لدى لؤلؤة الكثير من الأصدقاء وكانت هيام صديقتها المقربة الوحيدة.بالطبع، الجزء المتعلق بمعاكسته لها لم تخبرها به؛ فمثل هذه الأمور لا تُقال حتى للأخوات."هل تقولين إن هذا الرجل الغريب عنكِ تماماً، لم يكتفِ بحمايتك بل تصدى لضربة سكين وحتى أنه كاد يفقد حياته لحمايتكِ!""هذا هو الرجل الحقيقي!""لابد أن التواجد بجانبه يُشعركِ بالأمان للغاية!"قالت هيام وعيناها تلمعان. لقد كانت معجبة بالرجال الأقوياء الذين يظهرون في المسلسلات العسكرية بسبب شعورها بعدم الأمان منذ صغرها.لكن للأسف، كانت تلك مجرد مسلسلات ولم تصادف يوماً رجلاً حقيقياً مثلهم.لكن الآن، ظهر أمامها مثال حي.من خلال وصف لؤلؤة، استطاعت هيام تقريباً أن تتخيل المشهد الخطر والشعور بالأمان لذي لطالما افتقدته."نعم، في المجتمع الآن أصبح الناس غير مبالين، من النادر جداً أن نجد مثل هذا الشخص الشجاع.""لو لم يحمِني في ذلك الوقت، كنت سأفقد حياتي بالتأكيد."قالت لؤلؤة وهي متأثرة.عند
نزلت امرأة طويلة القامة ذات قوام ممشوق من السيارة."آسف، آسف..."سارع مُراد بالاعتذار.شخصيته دائماً كانت متسامحة ولا يحب أن يتجادل مع الناس، حتى لو كان الخطأ من الطرف الآخر، إلا أنه يبادر بالاعتذار."كيف تقود دراجتك بهذا الطيش؟ هل فقدت بصرك؟"تأففت المرأة ذات القوام الطويل، وبدت غير راضية.عبس مُراد قليلاً، فالموقف بسيط جداً، لكن تصرف المرأة المتعجرف جعله يشعر بعدم الارتياح: "سيدتي، من الواضح أنك فتحت باب السيارة دون أن تنظري في المرآة الجانبية ولا أظن أن اللوم يقع عليَّ.""ثم إني قد اعتذرت بالفعل، ألا يمكنكِ أن تكوني أكثر تفهماً؟""أنت تقول إنني غير منصفة؟"غضبت المرأة طويلة القامة وألقت نظرة باردة على دراجة مُراد الوردية باحتقار: "يالها من دراجة بالية تلك التي تقودها والأسوأ أنها وردية!""رجلٌ كبير بالغ يتصرف كأنثى، كم هذا مقزز!""لون ما أركبه لا يعنيكِ بشيء!""يا أنت... لا تدفعني إلى الجنون!"احمرت وجنتا مُراد فوراً.من الواضح أنها هي من فتحت الباب عليه، وبدلاً من الاعتراف بالخطأ، تقوم بإهانته وتصفه بالخنيث!مهما كانت طيبته، لم يستطع أن يتحمل إهانة كهذه.في هذه الأث
قالت لؤلؤة بصدمة: "ليس لديك رخصة قيادة؟""هذا سيكون مزعجًا بعض الشيء."فكرت لؤلؤة قليلاً، وكأنها تذكرت شيئًا: "هل تعرف كيفية قيادة دراجة نارية رياضية؟""نعم، أعرف كيفية قيادتها ولدى رخصة قيادة."أومأ مُراد برأسه. في السابق، كانت مكانته في عائلة عامر أسوأ من الكلب، ولم يكن لدىه الحق في قيادة سيارة.لكن عائلة عامر كانت تحتاجه غالبًا لتوصيل بعض الأشياء، فخصصوا له دراجة نارية قديمة مستعملة لتسهيل المهمة."حسنًا، هذا جيد.""لدى هنا دراجة نارية رياضية، هدية عيد ميلادي من عمتي العام الماضي.""لا أستخدمها كثيرًا على أي حال، لذا سأعطيك إياها لتستخدمها كوسيلة نقل."سحبت لؤلؤة مُراد إلى الزاوية، حيث كانت هناك دراجة نارية رياضية وردية اللون تبدو مذهلة."لا تستهين بهذه الدراجة النارية، فهي تكلّف على الأقل أكثر من مليون دولار...""ماذا؟""أكثر من مليون؟"صُدم مُراد لدرجة أن فكّه كاد يسقط على الأرض."نعم، أذكر أن عمتي قالت إن هذه الدراجة النارية الرياضية تم تصنيعها بواسطة رولز رويس كإصدار محدود خاص، ويبدو أن سعرها حوالي 1.7 مليون دولار!"تذكرت لؤلؤة.صُدم مُراد، وقال في نفسه أن الأثري
بعد تناول العشاء، غادر مُراد ولؤلؤة منزل عائلتها وعادا بالسيارة إلى فيلّا التجمع. في ذلك الوقت، كانت الخادمة أمينة قد رتبت غرفة الضيوف لمُراد ليقيم فيها.استلقى مُراد على السرير أخيرًا، حيث استطاع أن يهدأ قليلاً، حيث قرر أن يدرس تراث أجداده بتمعن. بمجرد أن أغلق عينيه، تدفقت إلى ذهنه كميات هائلة من الذكريات المتعلقة بهذا الورث، والتي تضمنت أنواعًا مختلفة من كتب المهارات. من بينها كتب طب قديمة وأساليب اعتكاف سحرية وغيرها الكثير...ماذا؟ هناك أيضًا ما يسمى بالاعتكاف الثنائي؟ سعل مُراد قليلًا وقرر التركيز على فهم معنى الاعتكاف. فالمقاتلون يسعون وراء طريق القوة ويعتمدون على تدريب قدراتهم على التحكم الداخلي. أما في الاعتكاف، فيسعون وراء فهم الحياة من خلال استيعاب طاقة الطبيعة.وبالمقارنة، فإن أسرار الاعتكاف أعمق بكثير من فنون القتال. لكن مع مرور آلاف السنين، اندثرت هذه الأسرار تمامًا، وحتى المقاتلون المتمرسون أصبحوا نادرين.من الواضح أن هذه الأسرار تعتبر شيئًا عظيمًا، لذا يجب أن يتدرب عليها جيدًا.أزال مُراد كل الأفكار المشوشة من عقله، وجلس متربعًا على السرير وبدأ في ممارسة التأمل.با