قال المقدم بنبرة جادة: "حرصًا منّا على الإنصاف، قررنا تأجيل إعلان أسماء الفائزين بالمراكز الثلاثة الأولى حتى نتحقق من الأمر." بعد هذه الكلمات، لم يكن وليد وحده من أصيب بالصدمة، بل جميع من في القاعة."لماذا التأجيل؟ هذا غير عادل للجميع!" "نعم، إذا كان هناك نزاع، فقم بإلغاء أهلية الشركتين المتورطتين!""أعلنوا عن أسماء الشركتين المتورطتين!"كان هناك الكثير من الأصوات والآراء المتضاربة في القاعة، والتي حفّزت معها نشاط الصحفيين وفضولهم. فقد كانوا يعتقدون أنها ستكون مجرد مسابقة عادية، لكنهم وجدوا أنفسهم أمام فضيحة محتملة، قد تكون مادّة دسمة لعناوين أخبارهم الرئيسية في اليوم التالي.أمّا وليد فكان يقف واثقًا من أن شركته لا يمكن أن تكون متورطة، ثم تقدم خطوة إلى الأمام وصاح بصوت عالٍ، "ما يقوله الجميع صحيح، في هذا الوضع، يجب على لجنة التحكيم إعلان النتيجة هنا. أنا متأكد من أن مسؤولي الشركتين موجودين هنا، وهذا الحضور الكبير من الزملاء يمكنهم أن يشهدوا على ذلك، ولن يكون هناك مجال للتشكيك في حكمهم وشهادتهم."وفي حين كان المشهد على الشاشة مليئًا بالفوضى، كان انتباه السيد سعيد كلّه موجهاً نحو ري
كانت ترتدي فستانًا أبيضاً بسيطًا وأنيقًا، وبدت مع تركيز الأضواء عليها كأنها تسير وسط هالة من الضوء.لم تكن بسيطة في هندامها فحسب، بل كانت بسيطة في زينتها أيضاً، تضع مكياجا خفيفًا جدًا، ولا ترتدي أية مجوهرات، ولكن هذا جعل ملامحها الرقيقة أكثر بروزًا."ريم!" لم يصدق وليد عينيه، ولم يستوعب عقله بعد ما يحدث.فتقدم بسرعة إلى الأمام دون وعي منه، وواجه ريم، وهمس لها بصوت منخفض، "ماذا تفعلين هنا؟""لقد جئت للمشاركة في المسابقة بالطبع."نظرت إليه ببرود، وارتسمت على شفتيها ابتسامة ساخرة، ثم واصلت سيرها."ريم!"أمسك وليد بمعصمها، وقال بصوت منخفض وغاضب، "توقفي عن المزاح! هذا ليس مكانًا للعبث!"وفي غرفة كبار الشخصيات، كان السيد سعيد واقفاً أمام الشاشة، يراقب ما يحدث وقد وظهرت عليه ملامح الغضب.وبعدها بلحظة، سحبت ريم ذراعها بقوة، وقالت، "سيد وليد، بما أنك تعرف قدر هذا المكان، فعليك أن تحترم نفسك!"وبمجرد أن أنهت حديثها، كانت بالفعل قد صعدت على المسرح.تحولها الكبير هذا كان مفاجئًا لوليد، فاستدار مذهولا ينظر إليها وهي واقفة على المسرح.عادةً ما كانت مطيعة ومهذبة، فكيف..."مساء الخير، ضيوفنا الكرام.
علت الدهشة وجوه الجميع.فقليلون من يعرفون أين ذهبت ريم بعد أن تركت هذا المجال، وأقل منهم من لديهم علم بعلاقتها مع وليد. في هذه اللحظة، كان أكثر من يشعر بالحماس هم الصحفيون.فقد كانوا يعتقدون أنهم سيخرجون الليلة بتقارير إخبارية عادية، لكنهم لم يتوقعوا أن تظهر لهم حادثة سرقة فكريّة، ثم خيانة، وهذه الأخبار تجعل الأجواء أكثر إثارة لهم.نظرت ريم إلى وليد وهو يقترب منها، ويقول بصوت مملوء بالألم والندم، "أنتِ من فريق شركتنا، متى التحقتِ بشركة أخرى دون أن تخبريني؟ وهل أخذت منتجات شركتي معك؟"لم يكن صوته عاليًا، لكن الميكروفون كان قريبًا منه، فكان مسموعًا للجميع في القاعة."إذن هي خائنة، ليس غريباً أن تكون هناك حادثة سرقة ملكية فكريّة إذن." قال أحدهم بدهشة."في البداية، كانوا يرفعون من شأنها، أتذكر عندما حصلت على جائزة المبتدئين، كانت حديث وسائل الإعلام، والآن؟ يا إلهي...""سرقة أسرار الشركة جريمة، يجب إبلاغ الشرطة!""يبدو أنها ليست بلا أنفٍ فقط، بل بلا ضمير أيضًا، وبرغم جمالها الظاهر لنا، إلا أننا لم نتوقع أبداً أن يكون داخلها قبيحاً إلى هذا الحد!"انهمرت الشتائم على ريم من كل حدب وصوب، وكبت
قالت ريم رافعةً يديها عالياً بحيث يمكن للجميع رؤية الزجاجتين في يديها: "هاتان الزجاجتان هما عينات مقدمة من شركتي أنفاس الورد و K&W، يمكنك يا سيد وليد أن تجرب لترى إن كان هناك فرق.""سواء كان هناك فرق أم لا، فما الذي سيعنيه ذلك؟" قال وليد وهو يضيّق عينيه قليلاً. ثم تابع قائلا بلا مبالاة، "حتى الحكام قالوا إن المكونات والنكهات متشابهة جداً، فما الذي سيثبته ذلك الفرق الطفيف؟" أجابته ريم قائلة، "يمكنه إثبات سبب فوز شركة أنفاس الورد. ألست أنت يا سيد وليد الذي اتهمني بسرقة عمل شركتك؟ إن كانت سرقة ويوجد هناك فرق فعلا، فهذا يعني بالتأكيد أن النسخة الأصلية ذات جودة أفضل. بما أنك ترى أن الأمر غير عادل، فهذه أفضل فرصة لإثبات ذلك أمام الزملاء ووسائل الإعلام."كان صوت ريم ناعماً ورقيقاً، تزينه ابتسامة خفيفة. وبرغم الشائعات التي أثيرت حولها سابقاً، وتحيز العديد من الناس ضدها، لم يستطع أحد أمام ابتسامتها في تلك اللحظة أن ينتقدها أو يلوم عليها. نظر إليها وليد بعمق قاطباً حاجبيه، غير مدرك لما كانت تخطط له. كان يتساءل عن سبب تصرفها غير المعتاد اليوم وإصرارها على هذا الجدال، ولماذا لم تعد تستمع إليه
لم يتوقع أحد أنها ستعترف بذلك بمحض إرادتها، فصُدم الجميع، بما في ذلك وليد. قالت ريم، "بما أن السيد وليد مصرّ على أن عطر "الحب الأول" كان نتاج اجتهاد الآنسة كارمن بالكامل، وبما أنك تعرف تفاصيل هذا الأمر جيداً، لماذا لا تطلب من الآنسة كارمن أن تحدد التغيير الذي أجريته على التركيبة؟ والمكون الذي قمت بتعديله؟"بدأ وجه كارمن يتلوّن، وقالت بتلعثم، "أنا..."لم تدخل كارمن لمختبر خلال العامين الماضيين إلا نادراً، وبرغم أنها لم تنسَ تمامًا المعلومات التي اكتسبتها خلال عملها في الشركة، إلا انه كان يستحيل عليها فعل هذا الأمر، لأن كل تركيبة عطر تختلف عن الأخرى من حيث المكونات والمواد الخام وحتى النسب. وأثناء تطوير ريم لهذا العطر، كانت كارمن تقضي جلّ وقتها مع وليد، معتقدة أن استحواذها على قلبه سيضمن لها كل الشرف والتقدير والمكافآت، دون الحاجة للعمل الشاق على البيانات والتجارب.أمسكت كارمن بطرف قميص وليد وضغطت عليه بشدة، وزمّت شفتيها ولم تنطق بكلمةً واحدة. لاحظ وليد توترها، فتقدم خطوة للأمام وجعلها خلفه، وقال: "بما أنكِ عدّلتِ التركيبة، فمن المستحيل أن تعرف كارمن ماذا فعلتِ. لكن بما أنكِ اعترفتِ ب
نظرت ريم إلى سعيد خلسةً، لتكتشف أنه كان يحدّق بها، ولا تدري منذ متى.فاحمرّ وجهها خجلا حين قبض عليها سعيد متلبسةً وهي تنظر إليه."ما هي ترتيباتك الليلة؟"كانت المسافة بينهما قريبة جدًا، شعرت ريم وكأن قلبها يدقّ كالمطرقة داخل صدرها. فطبعها العنيد والمقاوم منعها من التراجع، فنظرت إلى عينيه السوداوين بثبات، محاوِلة الحفاظ على مظهر هادئ، وقالت: "إذا لم أكن مخطئة، الليلة هي ليلة زفافنا. سيد سعيد، ما الذي تعتقد أنني يمكن أن أخطط له غير ذلك؟"تظاهرت في حديثها بنبرة طبيعية ومسترخية، لكن يديها المشدودتين حول ركبتيها فضحتا توترها الداخلي.رفع سعيد حاجبيه قليلاً، وابتسمت شفتيه برفق، "حقًا، جيد!"ثم استقام في جلسته، وابتعد عنها قليلاً، لكن لم تشعر ريم بالارتياح رغم ذلك.توقفت السيارة بسرعة عند الوجهة المحددة.كانت ريم تظن أن السيد سعيد سيأخذها إلى منزله الخاص، لكن المفاجأة كانت عندما توقفت السيارة أمام منتجع ينابيع ساخنة.كان الليل يغمر المشهد، مما جعل اللافتة البرتقالية للمنتجع تعكس بإضاءتها شعوراً يبعث على السكينة.لكن—التفتت إليه بحيرة، وبدا أنه قد أدرك ما كانت تفكر فيه، فقال: "مر اليوم سريعًا
كانت ريم تشعر ببعض التوتر، وكانت يداها تتدليان على جانبي جسمها وتقبضان على ملاءة السرير دون وعي.رغم أنها قد شاهدت وقرأت عن مثل هذه المواقف في التلفاز والروايات، إلا أنها كانت متوترة.لاحظ سعيد توترها، ونظر إلى عينيها المغلقتين، وقال: "إذا لم تكوني مستعدة، يمكننا الانتظار."سمعت ريم تلك الكلمات، ففتحت عينيها فجأة، وأبصرت في عينيه الصدق والاحترام.وشعرت بدفء يسري في قلبها من ذلك التقدير. فهزت رأسها، وأفلتت الملاءة من يديها، ورفعت ذراعيها ولفّتهما حول عنقه، وقالت: "يمكنني ذلك! استمر..."تجمدت ريم في مكانها.فذلك الشعور المألوف جعلها تتذكر شيئًا على الفور، لكن، لا يمكن أن يكون بهذه الصدفة!لقد فات الأوان.جمعت ساقيها، وأمسكت وسادة بجانبها لتغطي وجهها، كانت تتمنى لو تنشق الأرض وتبتلعها!عندما رأى سعيد حالتها هذه، أدرك الوضع على الفور.كأن النار المتأججة داخله انطفأت فجأة بماء بارد.اعتدل في جلسته، كان بين رغبة في التنهد وأخرى في الضحك.بعد لحظات من الصمت، انحنى ليحملها مجددًا."ماذا، ماذا تفعل؟" قالت ريم بتلعثم.عندما شعرت ريم بخفة جسدها فجأة، أصابها الذعر.سقطت الوسادة من فوق وجهها، ولم ي
مشت ريم باطمئنان نحو سعيد، لكنها رأته يشير برأسه نحو الطاولة المجاورة، ويقول: "اشربي هذا واذهبي للنوم."نظرت إلى ما أشار إليه، فرأت كوبًا من اليانسون الساخن. كانت مفاجأة لها كيف استطاع في وقت قصير أن يفكر في كل هذه التفاصيل ويجهز كل هذا.رغم دهشتها، شربت الكوب بهدوء. وشعرت بارتياح في بطنها، وجلست بجانب السرير، تشعر بالاسترخاء لدرجة أنها كادت أن تنام.خفّض سعيد الإضاءة، ونظر إليها قائلاً: "ماذا؟""ألن تنام؟" قالت بتثاؤب من شدة عن نعاسها."سأنام بعد قليل. نامي أنتِ أولاً."عدّل لها وضع الوسادة وسحب الغطاء عليها. ثم جلس مرة أخرى وضبط درجة حرارة التكييف، قبل أن يأخذ رشفةً من قهوته.حاولت ريم مقاومة النعاس وهي تراقب حركاته وضوء المكان الخافت يلقي بظلاله عليه لتبدو ملامحه الجانبية عميقةً وجذابة.كان يبدو رائعًا حقًا، سواء من الأمام أو الجانب، كان جذابًا من جميع الزوايا.لماذا لم تلاحظ ذلك من قبل؟بينما كانت تشاهده يحتسي القهوة، والتي بدت وكأنها قهوة سوداء، لم تستطع ريم إلا أن تقول: "شرب القهوة في الليل سيجعلك... غير ... قادرعلى النوم.""إذًن، ماذا أشرب؟"سألها سعيد عرضًا وهو يضع الكوب جانبًا
مشت ريم مباشرة وجلست في مقعدها بكل أناقة.حينها وصلت كارمن، فلمحت وليد ورأته وهو يشير إليها بإشارة "تمام"، عندها شعرت ببعض الراحة.بدأ المؤتمر الصحفي بسرعة، وشرع وليد مباشرة في التحدث عن الموضوع الأساسي الذي يريد طرحه."بالنسبة للحدث الذي وقع في مسابقة العطور الجديدة في مدينتنا مساء الأمس، أظن أن الجميع قد اطلع عليه، هناك بعض سوء الفهم الذي أحاط به، وها نحن اليوم نجتمع في هذا المؤتمر الصحفي لنوضح من خلالكم، أيها الإعلاميون الأعزاء، للزملاء المهتمين بهذه القضية ولكل من يتابعها، حقيقة الأمر وتفاصيله"."لقد لاقى المنتج المشارك في مسابقة العطور ليلة أمس بعنوان 'الحب الأول' إشادة كبيرة، لكن طرأت بعض المشكلات، مثل تداخل أعمال شركتين من ضمن الشركات وتبادل الاتهامات بسرقة الأفكار، لكن نعلمكم أن الأشخاص المعنيون بالأمر موجودون هنا اليوم، لذا سأترك لهما المجال لشرح التفاصيل بأنفسهما".قال ذلك، ثم قام بتمرير الميكروفون إلى كارمن.كانت كارمن ترتدي فستانًا أسودًا بكتفٍ واحدٍ، مما أضفى عليها مظهرًا قويًا ومهيبًا، وما يلفت النظر هو التباين الكبير بينها وبين ريم الجالسة بجانبها، حيث كانت ريم ترتدي فست
كان السيد سعيد معروف بقسوته، ومعاملته الجافة القاسية وأسلوبه الحاد، لم يتوقع أحد أبدًا أن يكون بهذه الرقة والاهتمام.وبالفعل، كانت درجة حرارة الماء مثالية، فاستمتعت ريم بحمام دافئ ومريح، ثم ارتدت ملابس نظيفة واستخدمت مستلزماتها الشخصية المريحة، مما خفف بشكل كبير من آلام الدورة الشهرية وجعلها تشعر بارتياح كبير.كان السيد سعيد محقًا، فعلاً لا حاجة للاستعجال، يجب عليها أن تأخذ قسطًا من الراحة.غفَت قليلاً بينما كان السيد سعيد يحتضنها، مما منحها شعورًا عميقًا بالأمان، استرخيا معًا، دون أن يفعلوا شيئًا سوى النوم، ولكن ريم شعرت حينها بسكينة وسعادة فريدة لم تعهدها من قبل.نامت ربما ساعة أو أكثر، وعندما استيقظت، وجدت أن هاتفها كان على وشك الانفجار من كثرة المكالمات.كان وليد كان مستعجلاً للغاية، وكلما استعجل، كلما زادت ريم في التراخي والتأجيل.وقفت بهدوء، وارتدت فستانًا أبيض بسيطًا، دون أي زينة أو تصميمات خاصة، كان تصميمه بسيطًا جدًا، لكنه كان يتناسب تمامًا مع قوامها، وعندما ارتدته، ظهرت بمظهر أنيق وجميل.وقبل أن تذهب، وقف السيد سعيد ولف يديه حول خصرها وقبَّل رقبتها، قائلاً: "لو كان الأمر بيدي
اغرتها بشرته السمراء وعضلاته الممشوقة حتى كادت تمد يدها لتلمسهم.ابتلعت ريقها بصوت مسموع."ريم، ريم؟".لم تُجب فظن وليد أنها اغلقت الخط، فناداها عدة مرات.في هذه اللحظة، فتحت ريم عينيها على آخرهما، وهي ترى السيد سعيد ينحني بجسده الطويل نحوها، ووجهه الوسيم يقترب من وجهها أكثر فأكثر.حبست أنفاسها، ثم ..........عندما كادت شفتيه تلامسان شفتيها، مال بوجهه فجأة قليلاً، وقبَّلها بلطف بالقرب من أذنها، ثم اعتدل ودخل مباشرة إلى غرفة الملابس."بوووم! طاااخ!"انزلق الهاتف من يدها وتدحرج على السجادة مرتين.لولا هذه السجادة، لتحطم الهاتف تمامًا.حينها انزعج وليد، الذي كان ينتظر ردها من الجهة الأخرى من الهاتف، بسبب الصوت العالي الذي صدر إثر سقوط الهاتف، فسرعان ما أبعد الهاتف عن أذنه.وبعد أن تدارك الأمر، بدأ يصرخ: "ريم! ماذا تفعلين بالضبط؟ هل سمعتي ما قلته؟"انحنت ريم لالتقاط الهاتف، وعندما سمعت صراخ السيد وليد، مسحت الهاتف بهدوء، وتأكدت من عدم تعرضه لأي ضرر ثم قالت: "سيد وليد، إن كان هناك أمر طارئ، أخبرني به مباشرة"."أنتِ......."كبح وليد غضبه، وأخبر نفسه أنه يجب أن يتحمل مزاجها المتقلب هذا حتى تن
"أنا أحب الهدوء، وهناك سيدة تأتي كل يومين لتنظيف المنزل" قال وهو يفك ربطة عنقه: "سأذهب للاستحمام، يمكنكِ أن تستريحي قليلًا، يوجد غرفة ملابس فارغة بالداخل، يمكنكِ وضع أغراضكِ فيها".قال كلامه هذا وكان قد دخل إلى غرفته بالفعلاستمعت ريم إلى صوت تدفق الماء القادم من الغرفة الداخلية، وشعرت ببصيص من الارتياح.فبعدما وجدت نفسها في هذا المكان الغريب، كانت في أمس الحاجة إلى بعض الوقت للتأقلم.كانت الفيلا فسيحة، تتكون من ثلاثة طوابق تقريبًا، وكان الطابق العلوي عبارة عن علية منخفضة الارتفاع، بينما تمتد المساحة الرئيسة للفيلا على كونها فسيحة متسعة.غلبت الألوان الباردة والخطوط البسيطة الأنيقة على ديكورات المكان وكأنها تعكس شخصية مالكه: باردة حازمة دؤوبة.دخلت ريم إلى الغرفة حاملة حقيبتها، وشعرت بدهشة بسبب حجم غرفة الملابس وما بها من تجهيزات.تبدو الغرفة وكأنها غرفة عادية لا شيء مميز فيها، ففي داخلها، بجانب خزانتي ملابس تحتويان على ملابس رجالية مرتبة، لا يوجد شيء آخر سوى مساحة فارغة لا شيء فيها.لم يكن لديها سوى بضع قطع من الملابس، علقتها واحدة تلو الأخرى، ثم أخرجت كيسًا صغيرًا به جميع وثائقها الم
"لقد شبعت"، خفضت ريم رأسها، وأحمر خدها قليلًا."إذاً، لنذهب الآن، دعينا نرتاح أولًا، فأنتِ بحاجة للراحة، سنناقش باقي الأمور غدًا".بدا السيد سعيد وكأنه يعلم ما يدور في ذهنها فقال: "بالنسبة لما ذكرتِهِ، سأطلب من فوزي أن يحل الأمر، لا تقلقي".بعدما قال ذلك، لم تشعر بالاطمئنان فحسب، بل كانت في قمة الراحة والسكينة.فالشعور بأن هناك من يقرأ أفكارك قبل أن تتكلم، ويقوم بتنظيم كل شيء لك بشكل مثالي، هو شعور لا يوصف ولا يضاهي جماله أي شعور آخر.بينما كانت تجلس ريم في السيارة مع السيد سعيد، سألها السيد سعيد فجأة: "هل الشقة التي تسكنين فيها الآن هي شقة مؤجرة؟""أجل"."اتركيها، وانتقلي لتعيشي معي".ثم أمسك بيدها برفق وهو يتحدث معها.تسارعت نبضات قلب ريم فجأة، فقبضت على أصابعها قليلاً، ثم خفضت رأسها وفكرت فيما يقوله في صمت.لم يكن مستعجلاً في دفعها للإجابة، بل ظل صبورًا، ممسكًا بيدها بهدوء، وينظر إلى الأمام وكأنه ينتظر ردها.في الواقع، كانت ريم على علم بأن هذا اليوم سيأتي، لكنها لم تتصور أنه سيأتي بهذه السرعة.على أي حال، لقد حصلوا على شهادة زواجهما، ويمكن القول أنهم... تشاركوا سرير واحد، وفي النهاي
قالت ريم بشيء من المزاح: "لا داعي لذلك حقًا، اسمعيني يا يارا، لقد أرهقك العمل مؤخرًا، عليك أن ترتاحي قليلًا".فلما رأتها مصرة على رأيها، توقفت يارا عن نصحها: "حسن إذًا، أنت تعرفين أن ادي هاتفين، سأغلق هاتف العمل، وإذا طرأ شيء اتصلي على الهاتف الآخر"."نعم، استمتعي بوقتك".ولما أغلقت المكالمة، وجدت السيد سعيد يتأملها بنظره، فأطرقت ريم قليلًا وكأن شيئًا لم يحدث."ما الأمر؟"."هل دفعتها إلى الرحيل لأنك لا تريدين إقحامها في ذلك الأمر؟".ولما تطرق السيد سعيد إلى لب الموضوع مباشرة، تسمرت ريم في مكانها، ثم ضحكت قائلة: "ليس الأمر هكذا بالضبط"."يارا كانت دائمًا مساعدتي المقربة، ويمكنني القول إنها على دراية تامة بكل إنجازاتي. وقد عقد وليد عزمه هذه المرة على أن يكيل لي التهم الكاذبة والافتراءات، وإذا قرر النبش في الماضي، فإنهم بالتأكيد سيلجؤون إلى يارا للحصول على الوثائق، وإذا لم تكن يارا قد استقالت حينها، فسيتعين عليها الإفصاح عما تعرفه، شاءت ذلك أم أبت"."لذا فإن غيابها عن المشهد وقتئذ هو الخيار الأمثل".كانت ريم تواصل تناول طعامها وتباشر الحديث مع السيد سعيد في آن واحد.ثمة دائمًا س
قال السيد سعيد ضاحكًا كما لو أنه استطاع حقًا قراءة أفكار ريم،: "لست من هواة تقفي الأثر، لكن لي عينان أبصر بهما وأذنان أسمع بهما!".ثم وخزها في بطنها بإصبعه، فتظاهرت ريم بعدم الشعور بألم، لكنها في ذلك الوقت أحست بقرقرة الجوع في بطنها.اصطحبها السيد سعيد إلى مطعم الحديقة المعلقة.كان مطعمًا مشهورًا في المدينة، ليس فقط لتصميمه الفريد؛ وإنما أيضًا للمنظر الخلاب من حوله.كان هذا المطعم قبلة الطبقة "الراقية"، وكان يقدم الطعام السوري بشكل رئيس، حيث استقدم طهاة بارعين من أمهر الطهاة في سوريا، لذا، فمهما كان زوقك، ستجد ما يلائمك في هذا المطعم.وبالطبع. كانت أسعاره غالية جدًا، لا يستطيع الشخص العادي تحملها.ومع هذا، كان الحصول على مقعد هناك يتطلب كثيرًا من الانتظار، وقد كانت بعض المقاعد محجوزة خصيصًا لبعض الأشخاص.نظرت ريم إلى الرجل الجالس أمامها وهو يتناول قائمة الطعام بأناقة ويقدمها إليها، كما أنه منذ نزولهما من السيارة، كان ثمة من يستقبلهما خصيصًا، كان الأمر معدًا له مسبقًا على ما يبدو.قال لها السيد سعيد: "اطلبي أنتِ".بدأ النادل في القيام على خدمتهم بتلطف: "ما نوع الأطباق التي تفضل
انطلقت السيارة بسرعة البرق، وسرعان ما تمكنوا من الفرار من السيارة التي كانت تلاحقهم.التفتت ريم بعد لحظة إدراك وقالت: "لقد أرسل رجالًا يتبعونني، يريد أن يعرف هل ما زلت على تواصل مع شركة أنفاس الورد للعطور"."آه"، رفع السيد سعيد حاجبيه وقال: "هل وعدتيه بعدم الذهاب إلى شركة أنفاس الورد للعطور؟"."لم أعده بأي شيء، لكنه ربما يظن أنه قد استطاع إقناعي".في الحقيقة لم تعده ريم بأي شيء، لكن وليد ظن أنه نجح في خداعها ثانية بكذبته السخيفة تلك.فهذه ليست المرة الأولى، وهي لا تختلف عن المرات السابقة، لقد اعتاد الأمر منذ فترة.لكنه لم يكن يعلم أن ريم التي وثقت به سابقًا، لما رأت بعينيها خيانته ونذالته، وعلاقته غير المشروعة بكارمن، انهارت ثقتها به كليًا، وما عادت تثق بكلمة أو حرف واحد مما يقول."ماذا تنوين أن تقعلي إذًا؟".لم يتدخل السيد سعيد في قرارها، على الرغم من شعوره ببعض الرغبة وشيء من الفضول.….كيف ستتصرف في هذا الموقف.بصراحة، ذلك الوغد المدعو وليد آذاها بشدة، في البداية كان ينوي أن يطالب لها بحقها، لكن الآن بعد أن استغنت زوجته تمامًا عن حمايته، صار يحق لها أن تتصرف بطريقتها.نظرت ر
"برأيك ما أكثر ما أخشاه حين يرغمني وليد على الاعتراف أمام الناس بالنصب والاحتيال؟".ثم نظرت إلى يارا بنظرة مبهمة وأردفت قائلة: "شاهد ودليل يقفان ضده، أما الدليل فقد سرقه، وأما الشاهد.….."."أنا هي الشاهدة؟"، تحسست يارا أنفها لما تجلت لها الحقيقة."يمكنني أن أقف وأشهد لك"، ثم تخصرت بكلتا يديها وقالت بكل حماس: "حينها يمكننا أن نسقط عنه ذلك القناع الزائف، ونكشف للجميع حقيقة هذا الشخص".هزت ريم رأسها وقالت وعلى شفتيها ابتسامة خفيفة: "لا، لا تذهبي، كل ما ينبغي عليك فعله هذين اليومين أن تأخذي إجازة"." إجازة؟"."نعم، إجازة! وليد لا يحتاجك أن تشهدي له، هو فقط يريد ألا يشهد لي أحد، وإذا غادرتِ حينها، فسيكون ذلك مثاليًا بالنسبة له".أضف إليه أن يارا إذا استقالت مباشرة في تلك اللحظة الحرجة، فإن وليد -بطبعه المتعنت- لن يدعها ترحل بسلام؛ بل سيتهمها بالتقاعس عن أداء الواجب، وهذا خيار مثالي بالنسبة له.كانت يارا لا تزال قلقة: "لكنني يجب أن أقف إلى جانبك في ذلك الوقت يا ريم، ألا يعد هروبي حينها فرارًا من المعركة؟"."أيتها الحمقاء، هذه ليست معركة، وهذا ليس فرارًا!"، ثم لم تتمالك ريم نفسها عن